وَغَنِمَ ابْنُ أَبِي عَامِرٍ غَنِيمَةً عَظِيمَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، وَاجْتَمَعَ مِنَ السَّبْيِ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَأَمَرَ بِالْقَتْلَى فَنُضِّدَتْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَمَرَ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَوْقَ الْقَتْلَى الْمَغْرِبَ، وَخَرَّبَ مَدِينَةَ قَامُونَةَ، وَرَجَعَ سَالِمًا هُوَ وَعَسَاكِرُهُ.
ذِكْرُ وَفَاةِ يُوسُفَ بُلُكِّينَ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ الْمَنْصُورِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، تُوُفِّيَ يُوسُفُ بُلُكِّينُ بْنُ زِيرِي صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ بِوَارْقَلِينَ.
وَسَبَبُ مُضِيِّهِ إِلَيْهَا أَنَّ خَزَرُونَ الزَّنَاتِيَّ دَخَلَ سِجِلْمَاسَةَ، وَطَرَدَ عَنْهَا نَائِبَ يُوسُفَ بُلُكِّينَ، وَنَهَبَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْعُدَدِ، وَتَغَلَّبَ عَلَى فَاسَ زِيرِي بْنُ عَطِيَّةَ الزَّنَاتِيُّ، فَرَحَلَ يُوسُفُ إِلَيْهَا، فَاعْتَلَّ فِي الطَّرِيقِ بِقُولَنْجٍ، وَقِيلَ خَرَجَ فِي يَدِهِ بَثْرَةٌ فَمَاتَ مِنْهَا، فَأَوْصَى بِوِلَايَةِ ابْنِهِ الْمَنْصُورِ، وَكَانَ الْمَنْصُورُ بِمَدِينَةِ أَشِيرَ، فَجَلَسَ لِلْعَزَاءِ بِأَبِيهِ، وَأَتَاهُ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ يُعَزُّونَهُ بِأَبِيهِ وَيُهَنُّونَهُ بِالْوِلَايَةِ، فَأَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبِي يُوسُفَ وَجَدِّي زِيرِي كَانَا يَأْخُذَانِ النَّاسَ بِالسَّيْفِ، وَأَنَا لَا آخُذُهُمْ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ، وَلَسْتُ مِمَّنْ يُوَلَّى بِكِتَابٍ وَيُعْزَلُ بِكِتَابٍ، يَعْنِي أَنَّ الْخَلِيفَةَ بِمِصْرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَزْلِهِ بِكِتَابٍ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، وَسَكَنَ بِرِقَّادَةَ، وَوَلِيَ الْأَعْمَالَ، وَاسْتَعْمَلَ الْأُمَرَاءَ وَأَرْسَلَ هَدِيَّةً عَظِيمَةً إِلَى الْعَزِيزِ بِاللَّهِ بِمِصْرَ، قِيلَ: كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَى أَشِيرَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جِبَايَةِ الْأَمْوَالِ بِالْقَيْرَوَانِ، وَالْمَهْدِيَّةِ، وَجَمِيعِ إِفْرِيقِيَّةَ إِنْسَانًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَاتِبِ.
ذِكْرُ أَمْرِ بَاذٍ الْكُرْدِيِّ خَالِ بَنِي مَرْوَانَ وَمُلْكِهِ الْمَوْصِلَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَوِيَ أَمْرُ بَاذٍ الْكُرْدِيِّ، وَاسْمُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ دُوسْتَكَ