يَسْتَحْضِرَ يَلْتَكِينَ مِنْ دِمَشْقَ، فَأَمَرَهُ الْعَزِيزُ بِإِحْضَارِهِ وَتَسْلِيمِ دِمَشْقَ إِلَى بَكْجُورَ. فَقَالَ: إِنَّ بَكْجُورَ إِنْ وَلِيَهَا عَصَى فِيهَا. فَلَمْ يُصْغِ إِلَى قَوْلِهِ وَأَرْسَلَ إِلَى يَلْتَكِينَ يَأْمُرُهُ بِقَصْدِ مِصْرَ، وَتَسْلِيمِ دِمَشْقَ إِلَى بَكْجُورَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَهَا فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَالِيًا عَلَيْهَا، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ إِلَى أَصْحَابِ الْوَزِيرِ ابْنِ كِلِّسٍ وَالْمُتَعَلِّقِينَ بِهِ، حَتَّى إِنَّهُ صَلَبَ بَعْضَهُمْ، وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ، وَظَلَمَ النَّاسَ، وَكَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَخْذِ مَالٍ، وَقَتْلٍ، وَصَلْبٍ، وَعُقُوبَةٍ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ عَزْلَهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ وَفَاةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَوَّالٍ، اشْتَدَّتْ عِلَّةُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ مِنَ الصَّرَعِ فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ (عَنْ دَفْعِهِ) ، فَخَنَقَهُ، فَمَاتَ مِنْهُ ثَامِنَ شَوَّالٍ بِبَغْدَاذَ، وَحُمِلَ إِلَى مَشْهَدِ (أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَدُفِنَ بِهِ.
وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ بِالْعِرَاقِ خَمْسَ سِنِينَ وَنِصْفًا. وَلَمَّا تُوُفِّيَ جَلَسَ ابْنُهُ صَمْصَامُ الدَّوْلَةِ أَبُو كَالِيجَارَ لِلْعَزَاءِ، فَأَتَاهُ الطَّائِعُ لِلَّهِ مُعَزِّيًا، وَكَانَ عُمْرُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَكَانَ قَدْ سَيَّرَ وَلَدَهُ شَرَفَ الدَّوْلَةِ أَبَا الْفَوَارِسِ إِلَى كَرْمَانَ مَالِكًا لَهَا، قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ لَمْ يَنْطَلِقْ لِسَانُهُ إِلَّا بِتِلَاوَةِ {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ - هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28 - 29] .
وَكَانَ عَاقِلًا، فَاضِلًا، حَسَنَ السِّيَاسَةِ، كَثِيرَ الْإِصَابَةِ، شَدِيدَ الْهَيْبَةِ، بَعِيدَ الْهِمَّةِ، ثَاقِبَ الرَّأْيِ، مُحِبًّا لِلْفَضَائِلِ وَأَهْلِهَا، بَاذِلًا فِي مَوَاضِعِ الْعَطَاءِ، مَانِعًا فِي أَمَاكِنِ الْحَزْمِ نَاظِرًا فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ.