ثُمَّ إِنَّ أَبَا تَغْلِبَ سَارَ إِلَى الرَّمْلَةِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، فَلَمْ يَشُكَّ ابْنُ الْجَرَّاحِ وَالْفَضْلُ أَنَّهُ يُرِيدُ حَرْبَهُمَا، وَكَانَا بِالرَّمْلَةِ، فَجَمَعَ الْفَضْلُ الْعَسَاكِرَ مِنَ السَّوَاحِلِ، وَكَذَلِكَ جَمَعَ دَغْفَلٌ مَنْ أَمْكَنَهُ (جَمْعُهُ) ، وَتَصَافَّ النَّاسُ لِلْحَرْبِ، فَلَمَّا رَأَتْ عُقَيْلٌ كَثْرَةَ الْجَمْعِ انْهَزَمَتْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ أَبِي تَغْلِبَ إِلَّا نَحْوُ سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ، مِنْ غِلْمَانِهِ وَغِلْمَانِ أَبِيهِ، فَانْهَزَمَ وَلَحِقَهُ الطُّلَبُ، فَوَقَفَ يَحْمِي نَفْسَهُ وَأَصْحَابَهُ، فَضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ فَسَقَطَ، وَأُخِذَ أَسِيرًا، وَحُمِلَ إِلَى دَغْفَلٍ فَأَسَرَهُ وَكَتَّفَهُ.
وَأَرَادَ الْفَضْلُ أَخْذَهُ وَحَمْلَهُ إِلَى الْعَزِيزِ بِمِصْرَ، فَخَافَ دَغْفَلٌ أَنْ يَصْطَنِعَهُ الْعَزِيزُ، كَمَا فَعَلَ بِالْفَتْكِينِ، وَيَجْعَلَهُ عِنْدَهُ، فَقَتَلَهُ، فَلَامَهُ الْفَضْلُ عَلَى قَتْلِهِ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ مَعَهُ أُخْتُهُ جَمِيلَةُ بِنْتُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ وَزَوْجَتُهُ، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ، (فَلَمَّا قُتِلَ حَمَلَهُمَا بَنُو عُقَيْلٍ إِلَى حَلَبَ إِلَى سَعْدِ الدَّوْلَةِ بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ) ، فَأَخَذَ أُخْتَهُ، وَسَيَّرَ جَمِيلَةَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَسُلِّمَتْ إِلَى أَبِي الْوَفَاءِ نَائِبِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَأَرْسَلَهَا إِلَى بَغْدَاذَ، فَاعْتُقِلَتْ فِي حُجْرَةِ دَارِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ.
ذِكْرُ مُحَارَبَةِ الْحَسَنِ بْنِ عِمْرَانَ مَعَ جُيُوشِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ عِمْرَانُ بْنُ شَاهِينَ، فَجْأَةً، فِي الْمُحَرَّمِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ، بَعْدَ أَنْ طَلَبَهُ الْمُلُوكُ وَالْخُلَفَاءُ وَبَذَلُوا الْجُهْدَ فِي أَخْذِهِ، وَأَعْمَلُوا الْحِيَلَ، أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمْ يُقَدِّرْهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ.
فَلَمَّا مَاتَ وَلِيَ مَكَانَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ، فَتَجَدَّدَ لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ طَمَعٌ فِي أَعْمَالِ الْبَطِيحَةِ، فَجَهَّزَ الْعَسَاكِرَ مَعَ وَزِيرِهِ الْمُطَهِّرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ وَالْآلَاتِ، وَسَارَ الْمُطَهِّرُ فِي صَفَرَ، فَلَمَّا وَصَلَ شَرَعَ فِي سَدِّ أَفْوَاهِ الْأَنْهَارِ الدَّاخِلَةِ فِي الْبَطَائِحِ، فَضَاعَ فِيهَا الزَّمَانُ وَالْأَمْوَالُ، وَجَاءَتِ الْمُدُودُ، وَبَثَقَ الْحَسَنُ بْنُ عِمْرَانَ بَعْضَ تِلْكَ السُّدُودِ، فَأَعَانَهُ الْمَاءُ فَقَلَعَهَا.