367 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ عَلَى الْعِرَاقِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَرْسَلَ إِلَى بَخْتِيَارَ يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ يَسِيرَ عَنِ الْعِرَاقِ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ، وَضَمِنَ مُسَاعَدَتَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ بَخْتِيَارَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَابَةِ إِلَى ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ أَجَابَ إِلَيْهِ لِضَعْفِ نَفْسِهِ، فَأَنْفَذَ لَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ خِلْعَةً، فَلَبِسَهَا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ ابْنَ بَقِيَّةَ، فَقَلَعَ عَيْنَيْهِ وَأَنْفَذَهُ إِلَيْهِ.
(وَتَجَهَّزَ بَخْتِيَارُ بِمَا أَنْفَذَهُ إِلَيْهِ) عَضُدُ الدَّوْلَةِ، وَخَرَجَ عَنْ بَغْدَاذَ عَازِمًا عَلَى قَصْدِ الشَّامِ، وَسَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فَدَخَلَ بَغْدَاذَ، وَخُطِبَ لَهُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ يُخْطَبُ لِأَحَدٍ بِبَغْدَاذَ، وَضَرَبَ عَلَى بَابِهِ ثَلَاثَ نُوَبٍ، وَلَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ عَادَةُ مَنْ تَقَدَّمَهُ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُلْقَى ابْنُ بَقِيَّةَ بَيْنَ قَوَائِمِ الْفِيَلَةِ لِتَقْتُلَهُ، فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، وَخَبَطَتْهُ الْفِيَلَةُ حَتَّى قَتَلَتْهُ، وَصُلِبَ عَلَى رَأْسِ الْجِسْرِ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَرَثَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَنْبَارِيُّ بِأَبْيَاتٍ حَسَنَةٍ فِي مَعْنَاهَا وَهِيَ:
عُلُوٌّ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الْمَمَاتِ ... لَحَقٌّ تِلْكَ إِحْدَى الْمُعْجِزَاتِ
كَأَنَّ النَّاسَ حَوْلَكَ حِينَ قَامُوا ... وُفُودُ نَدَاكَ أَيَّامَ الصِّلَاتِ