بِإِظْهَارِ الْفَرَحِ، وَإِعْدَادِ مَا طُلِبَ مِنْهُ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِبَغْدَاذَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَتْ بِبَغْدَاذَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَظْهَرُوا الْعَصَبِيَّةَ الزَّائِدَةَ، وَتَحَزَّبَ النَّاسُ، وَظَهَرَ الْعَيَّارُونَ وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَأَخَذُوا أَمْوَالَ النَّاسِ.
وَكَانَ سَبَبُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ اسْتِنْفَارِ الْعَامَّةِ لِلْغَزَاةِ، فَاجْتَمَعُوا وَكَثُرُوا فَتَوَلَّدَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْنَافِ الْبَنَوِيَّةِ، وَالْفِتْيَانِ، وَالسُّنَّةُ، وَالشِّيعَةِ، وَالْعَيَّارِينَ، فَنُهِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَقُتِلَ الرِّجَالُ، وَأُحْرِقَتِ الدُّورُ، وَفِي جُمْلَةِ مَا احْتَرَقَ مَحَلَّةُ الْكَرْخِ، وَكَانَتْ مَعْدِنَ التُّجَّارِ وَالشِّيعَةِ، وَجَرَى بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةٌ بَيْنَ النَّقِيبِ أَبِي أَحْمَدَ الْمُوسَوِيِّ وَالْوَزِيرِ أَبِي الْفَضْلِ الشِّيرَازِيِّ وَعَدَاوَةٌ.
ثُمَّ إِنَّ بَخْتِيَارَ أَنْفَذَ إِلَى الْمُطِيعِ لِلَّهِ يَطْلُبُ مِنْهُ مَالًا يُخْرِجُهُ فِي الْغَزَاةِ، فَقَالَ الْمُطِيعُ: إِنَّ الْغَزَاةَ وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهَا، وَغَيْرَهَا مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، تَلْزَمُنِي إِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا فِي يَدِي وَتُجْبَى إِلَيَّ الْأَمْوَالُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ حَالِي هَذِهِ فَلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنِ الْبِلَادُ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لِي إِلَّا الْخُطْبَةُ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ أَعْتَزِلَ فَعَلْتُ.
وَتَرَدَّدَتِ الرَّسَائِلُ بَيْنَهُمَا، حَتَّى بَلَغَ إِلَى التَّهْدِيدِ، فَبَذَلَ الْمُطِيعُ لِلَّهِ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَاحْتَاجَ إِلَى بَيْعِ ثِيَابِهِ وَأَنْقَاضِ دَارِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَحُجَّاجِ خُرَاسَانَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْخَلِيفَةَ قَدْ صُودِرَ. فَلَمَّا قَبَضَ بَخْتِيَارُ الْمَالَ صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِهِ، وَبَطَلَ حَدِيثُ الْغَزَاةِ.