فَلَمَّا اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ أَتَاهُ أَمْرُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُخْصِيَ ابْنَيِ الْمَلِكِ الْمَقْتُولِ لِيَنْقَطِعَ نَسْلُهُمَا، وَلَا يُعَارِضَ أَحَدٌ أَوْلَادَهُ فِي الْمُلْكِ، فَلَمَّا عَلِمَتْ أُمُّهُمَا ذَلِكَ قَلِقَتْ مِنْهُ، وَاحْتَالَتْ عَلَى قَتْلِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى ابْنِ الشَّمْشَقِيقِ، وَهُوَ الدُّمُسْتُقُ حِينَئِذٍ، وَوَافَقَتْهُ عَلَى أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهَا فِي زِيِّ النِّسَاءِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا إِنَّ نِسْوَةً مِنْ أَهْلِهَا قَدْ زَارُوهَا، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْهَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ جَعَلَهُمْ فِي بَيْعَةٍ تَتَّصِلُ بِدَارِ الْمُلْكِ، وَكَانَ الشَّمْشَقِيقُ شَدِيدَ الْخَوْفِ مِنْهُ لِعِظَمِ هَيْبَتِهِ، فَاسْتَجَابَ لِلْمَرْأَةِ إِلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْمِيلَادِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ نَامَ، وَاسْتَقَلَّ فِي نَوْمِهِ، فَفَتَحَتِ امْرَأَتُهُ الْبَابَ وَدَخَلُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَثَارَ بِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَخَاصَّتِهِ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَأُجْلِسَ فِي الْمُلْكِ الْأَكْبَرُ مِنْ وَلَدَيِ الْمَلِكِ الْمَقْتُولِ، وَصَارَ الْمُدَبِّرُ لَهُ ابْنَ الشَّمْشَقِيقِ، وَيُقَالُ: إِنَّ نَقْفُورَ مَا بَاتَ قَطُّ إِلَّا بِسِلَاحٍ إِلَّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَتْلِهِ وَفَنَاءِ أَجَلِهِ.
ذِكْرُ مُلْكِ أَبِي تَغْلِبَ مَدِينَةَ حَرَّانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، سَارَ أَبُو تَغْلِبَ بْنُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ إِلَى حَرَّانَ، فَرَأَى أَهْلَهَا قَدْ أَغْلَقُوا أَبْوَابَهَا، وَامْتَنَعُوا مِنْهُ، فَنَازَلَهُمْ وَحَصَرَهُمْ، فَرَعَى أَصْحَابُهُ زُرُوعَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَكَانَ الْغَلَاءُ فِي الْعَسْكَرِ كَثِيرًا، فَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ نَفَرَانِ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِهَا لَيْلًا وَصَالَحَاهُ، وَأَخَذَا الْأَمَانَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ وَعَادَا.
فَلَمَّا أَصْبَحَا أَعْلَمَا أَهْلَ حَرَّانَ مَا فَعَلَاهُ، فَاضْطَرَبُوا، وَحَمَلُوا السِّلَاحَ وَأَرَادُوا قَتْلَهُمَا، فَسَكَّنَهُمْ بَعْضُ أَهْلِهَا، فَسَكَنُوا، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِتْمَامِ الصُّلْحِ، وَخَرَجُوا جَمِيعُهُمْ إِلَى أَبِي تَغْلِبَ، وَفَتَحُوا أَبْوَابَ الْبَلَدِ وَدَخَلَهُ أَبُو تَغْلِبَ وَإِخْوَتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَصَلَّوْا بِهِ الْجُمُعَةَ وَخَرَجُوا إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ سَلَامَةُ الْبَرْقَعِيدِيُّ لِأَنَّهُ طَلَبَهُ أَهْلُهُ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ، وَكَانَ إِلَيْهِ أَيْضًا عَمَلُ الرَّقَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ بَنِي حَمْدَانَ، وَعَادَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى