ذِكْرُ مُلْكِ الرُّومِ مَدِينَةَ حَلَبَ وَعَوْدِهِمْ عَنْهَا لَمَّا مَلَكَ الرُّومُ أَنْطَاكِيَةَ أَنْفَذُوا جَيْشًا كَثِيفًا إِلَى حَلَبَ، وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَرِيفُ بْنُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ مُحَاصِرًا لَهَا، وَبِهَا قَرْغَوَيْهِ السَّيْفِيُّ مُتَغَلِّبًا عَلَيْهَا. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو الْمَعَالِي خَبَرَهُمْ فَارَقَ حَلَبَ وَقَصَدَ الْبَرِّيَّةَ لِيَبْعُدَ عَنْهُمْ، وَحَصَرُوا الْبَلَدَ، وَفِيهِ قَرْغَوَيْهِ وَأَهْلُ الْبَلَدِ قَدْ تَحَصَّنُوا بِالْقَلْعَةِ، فَمَلَكَ الرُّومُ الْمَدِينَةَ، وَحَصَرُوا الْقَلْعَةَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ حَلَبَ، وَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَرْغَوَيْهِ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ عَلَى هُدْنَةٍ مُؤَبَّدَةٍ عَلَى مَالٍ يَحْمِلُهُ قَرْغَوَيْهِ إِلَيْهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ لِلرُّومِ إِذَا أَرَادُوا الْغَزَاةَ أَنْ لَا يُمَكِّنَ قَرْغَوَيْهِ أَهْلَ الْقَرَايَا مِنَ الْجَلَاءِ عَنْهَا لِيَبْتَاعَ الرُّومُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا.
وَكَانَ مَعَ حَلَبَ حَمَاةُ، وَحِمْصُ، وَكَفْرُ طَابَ، وَالْمَعَرَّةُ، وَأَفَامِيَةُ، وَشَيْزَرُ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الْحُصُونِ وَالْقَرَايَا، وَسَلَّمُوا الرَّهَائِنَ إِلَى الرُّومِ، وَعَادُوا عَنْ حَلَبَ وَتَسَلَّمَهَا الْمُسْلِمُونَ.
ذِكْرُ مُلْكِ الرُّومِ مَلَازْكَرْدَ
وَفِيهَا أَرْسَلَ مَلِكُ الرُّومِ جَيْشًا إِلَى مَلَازْكَرْدَ مِنْ أَعْمَالِ أَرْمِينِيَّةَ، فَحَصَرُوهَا، وَضَيَّقُوا عَلَى مَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَلَكُوهَا عَنْوَةً وَقَهْرًا، وَعَظُمَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَخَافَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَقْطَارِ الْبِلَادِ، وَصَارَتْ كُلُّهَا سَائِبَةً لَا تَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ يَقْصِدُونَ أَيُّهَا شَاءُوا.
ذِكْرُ مَسِيرِ ابْنِ الْعَمِيدِ إِلَى حَسْنُوَيْهِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ وَزِيرَهُ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ الْعَمِيدِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى بَلَدِ حَسْنُوَيْهِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ حَسْنُوَيْهِ بْنَ الْحَسَنِ الْكُرْدِيَّ كَانَ قَدْ قَوِيَ وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ