356 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ
ذِكْرُ مَوْتِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ بَخْتِيَارَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، تُوُفِّيَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِعِلَّةِ الذَّرَبِ، وَكَانَ بِوَاسِطَ، وَقَدْ جَهَّزَ الْجُيُوشَ لِمُحَارَبَةِ عِمْرَانَ بْنِ شَاهِينَ، فَابْتَدَأَ بِهِ الْإِسْهَالُ، وَقَوِيَ عَلَيْهِ، فَسَارَ نَحْوَ بَغْدَاذَ، وَخَلَّفَ أَصْحَابَهُ، وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُ رَجَا الْعَافِيَةَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَصَارَ لَا يَثْبُتُ فِي مَعِدَتِهِ شَيْءٌ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ عَهِدَ إِلَى ابْنِهِ عِزِّ الدَّوْلَةِ بَخْتِيَارَ، وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَتَصَدَّقَ بِأَكْثَرِ مَالِهِ، وَأَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ، وَرَدَّ شَيْئًا كَثِيرًا عَلَى أَصْحَابِهِ، وَتُوُفِّيَ وَدُفِنَ بِبَابِ التِّبْنِ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ، فَكَانَتْ إِمَارَتُهُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَيَوْمَيْنِ.
وَكَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا عَاقِلًا، وَلَمَّا مَاتَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ وَجَلَسَ ابْنُهُ عِزُّ الدَّوْلَةِ فِي الْإِمَارَةِ مُطِرَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا مَطَرًا دَائِمًا مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الْحَرَكَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْقُوَّادِ فَأَرْضَاهُمْ، فَانْجَلَتِ السَّمَاءُ، وَقَدْ رَضُوا فَسَكَنُوا وَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ.
وَكَتَبَ عِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى الْعَسْكَرِ بِمُصَالَحَةِ عِمْرَانَ بْنِ شَاهِينَ، فَفَعَلُوا وَعَادُوا.
وَكَانَتْ إِحْدَى يَدَيْ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ مَقْطُوعَةً، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ قَطْعِهَا، فَقِيلَ قُطِعَتْ بِكَرْمَانَ لَمَّا سَارَ إِلَى قِتَالِ مَنْ بِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي أَحْدَثَ أَمْرَ السُّعَاةِ، وَأَعْطَاهُمْ عَلَيْهِ الْجِرَايَاتِ الْكَثِيرَةَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ خَبَرُهُ إِلَى أَخِيهِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ سَرِيعًا، فَنَشَأَ فِي أَيَّامِهِ فَضْلٌ وَمَرْعُوشٌ، وَفَاقَا جَمِيعَ السُّعَاةِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسِيرُ