فَسَارُوا، فَنَزَلُوا الْجَامِدَةَ، وَشَرَعُوا فِي سَدِّ الْأَنْهَارِ الَّتِي تَصُبُّ إِلَى الْبَطَائِحِ.
وَسَارَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى الْأُبُلَّةِ، وَأَرْسَلَ الْجَيْشَ إِلَى عُمَانَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَادَ إِلَى وَاسِطَ لِإِتْمَامِ حَرْبِ عِمْرَانَ وَمِلْكِ بَلَدِهِ، فَأَقَامَ بِهَا، فَمَرِضَ، وَأَصْعَدَ إِلَى بَغْدَادَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ (سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ) [وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ عَلِيلٌ، وَخَلَّفَ الْعَسْكَرَ بِهَا، وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ تُوُفِّيَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى مُصَالَحَةِ عِمْرَانَ وَالِانْصِرَافِ عَنْهُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَتْ بَنُو سُلَيْمٍ عَلَى الْحُجَّاجِ السَّائِرِينَ مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ، وَكَانُوا عَالَمًا كَثِيرًا، وَمَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الثُّغُورِ وَالشَّامِ هَرَبُوا مِنْ خَوْفِهِمْ مِنَ الرُّومِ، بِأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَقَصَدُوا مَكَّةَ لِيَسِيرُوا مِنْهَا إِلَى الْعِرَاقِ، فَأُخِذُوا، وَمَاتَ مِنَ النَّاسِ فِي الْبَرِّيَّةِ مَا لَا يُحْصَى، وَلَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْقَلِيلُ.
وَفِيهَا عَظُمَ أَمْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّاعِي بِالدَّيْلَمِ، وَلَبِسَ الصُّوفَ، وَأَظْهَرَ النُّسُكَ وَالْعِبَادَةَ، وَحَارَبَ ابْنَ وَشْمَكِيرَ، فَهَزَمَهُ وَعَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى طَبَرِسْتَانَ، وَكَتَبَ إِلَى الْعِرَاقِ كِتَابًا يَدْعُوهُمْ فِيهِ إِلَى الْجِهَادِ.
وَفِيهَا تَمَّ الْفِدَاءُ بَيْنَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ وَالرُّومِ، وَسَلَّمَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ ابْنَ عَمِّهِ أَبَا فِرَاسِ بْنَ حَمْدَانَ، وَأَبَا الْهَيْثَمِ ابْنَ الْقَاضِي أَبِي الْحُصَيْنِ.
وَفِيهَا انْخَسَفَ الْقَمَرُ جَمِيعُهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ ثَالِثَ عَشَرَ شَعْبَانَ، وَغَابَ مُنْخَسِفًا.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْجِعَابِيِّ