عَنْ سَرِيرِهِ إِلَيْهِ وَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى بِسَاطٍ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِهِ وَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ مَا حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ التُّرْجُمَانُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي. فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتَنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي إِبِلِكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قَدْ جِئْتُ لِهَدْمِهِ؟ . قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ وَلِلْبَيْتِ رَبٌّ يَمْنَعُهُ. قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْنَعَ مِنِّي، وَأَمَرَ بِرَدِّ إِبِلِهِ، فَلَمَّا أَخَذَهَا قَلَّدَهَا وَجَعَلَهَا هَدْيًا، وَبَثَّهَا فِي الْحَرَامِ لِكَيْ يُصَابَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَغْضَبَ اللَّهُ. وَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى قُرَيْشٍ وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، وَالتَّحَرُّزِ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ خَوْفًا مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ:
يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا ... يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا.
إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا
امْنَعْهُمْ أَنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكَا.
وَقَالَ أَيْضًا:
لَاهُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ ... رَحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَكْ
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْرًا مِحَالَكْ