وَلَمَّا فَارَقَ أَبُو عَلِيٍّ بُخَارَى، خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مُسْتَأْمِنِينَ إِلَى نُوحٍ، مَظْهِرِينَ النَّدَمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ، فَقَرَّبَهُمْ وَقَبِلَهُمْ وَوَعَدَهُمْ وَعَادَ إِلَى بُخَارَى فِي رَمَضَانَ، وَقَتَلَ نُوحٌ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ طَغَانَ الْحَاجِبَ، وَسَمَلَ عَمَّهُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخَوَيْهِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ، وَعَادَتِ الْجُيُوشُ فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ وَالْأَجْنَادُ، وَأَصْلَحَ الْفَسَادَ.
وَأَمَّا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخُو أَبِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَمَّا هَرَبَ مِنْ أَخِيهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَحِقَ بِقُوهِسْتَانَ، جَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا وَسَارَ نَحْوَ نَيْسَابُورَ، وَبِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ قِبَلِ أَبِي عَلِيٍّ، فَخَرَجَ مِنْهَا الْفَضْلُ، فَالْتَقَيَا وَتَحَارَبَا، فَانْهَزَمَ الْفَضْلُ وَمَعَهُ فَارِسٌ وَاحِدٌ، فَلَحِقَ بِبُخَارَى، فَأَكْرَمَهُ الْأَمِيرُ نُوحٌ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَقَامَ فِي خِدْمَتِهِ.
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ مَنْصُورِ بْنِ قَرَاتَكِينَ عَلَى خُرَاسَانَ
لَمَّا عَادَ الْأَمِيرُ نُوحٌ إِلَى بُخَارَى وَأَصْلَحَ الْبِلَادَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ بِالصَّغَانِيَانِ، وَبِمَرْوَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَزْوِينِيُّ، فَرَأَى نُوحٌ أَنْ يَجْعَلَ مَنْصُورَ بْنَ قَرَاتَكِينَ عَلَى جُيُوشِ خُرَاسَانَ، فَوَلَّاهُ ذَلِكَ، وَسَيَّرَهُ إِلَى مَرْوَ وَبِهَا أَبُو أَحْمَدَ، وَقَدْ غَوَّرَ الْمَنَاهِلَ مَا بَيْنَ آمُلَ وَمَرْوَ، وَوَافَقَ أَبَا عَلِيٍّ ثُمَّ تَخَلَّى عَنْهُ.
وَسَارَ إِلَيْهِ مَنْصُورٌ جَرِيدَةً فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ، فَلَمْ يَشْعُرِ الْقَزْوِينِيُّ إِلَّا بِنُزُولِ مَنْصُورٍ بِكُشْمَاهِنَ عَلَى خَمْسَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَرْوَ، وَاسْتَوْلَى مَنْصُورٌ عَلَى مَرْوَ، وَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو أَحْمَدَ الْقَزْوِينِيُّ فَأَكْرَمَهُ، وَسَيَّرَهُ إِلَى بُخَارَى مَعَ مَالِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا أَكْرَمَهُ (الْأَمِيرُ نُوحٌ) وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ (إِلَّا أَنَّهُ وَكَّلَ بِهِ، فَظَفِرَ بَعْضَ الْأَيَّامِ بِرُقْعَةٍ قَدْ كَتَبَهَا الْقَزْوِينِيُّ بِمَا أَنْكَرَهُ) ، فَأَحْضَرَهُ وَبَكَّتَهُ بِذُنُوبِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ.