ذِكْرُ مُخَالِفَةِ أَبِي عَلِيٍّ عَلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُحْتَاجٍ عَلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ، صَاحِبِ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ لَمَّا عَادَ مِنْ مَرْوَ إِلَى نَيْسَابُورَ وَتَجَهَّزَ لِلْمَسِيرِ إِلَى الرَّيِّ، أَنْفَذَ إِلَيْهِ الْأَمِيرُ نُوحٌ عَارِضًا يَسْتَعْرِضُ الْعَسْكَرَ، فَأَسَاءَ الْعَارِضُ السِّيرَةَ مَعَهُمْ، وَأَسْقَطَ مِنْهُمْ وَنَقَصَ، فَنَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ، فَسَارُوا وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ (وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ) أَنَّ نُوحًا أَنَفَذَ مَعَهُمْ مَنْ يَتَوَلَّى أَعْمَالَ الدِّيوَانِ، وَجَعَلَ إِلَيْهِ الْحَلَّ وَالْعَقْدَ وَالْإِطْلَاقَ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمِيعُهُ أَيَّامَ السَّعِيدِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ إِلَى أَبِي عَلِيٍّ، فَنَفَرَ قَلْبُهُ لِذَلِكَ، (ثُمَّ إِنَّهُ عُزِلَ عَنْ خُرَاسَانَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ سِيمَجُورَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) .
ثُمَّ إِنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَسَاءَ إِلَى الْجُنْدِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، فَازْدَادُوا نُفُورًا، فَشَكَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَهُمْ إِذْ ذَاكَ بِهَمَذَانَ، وَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى مُكَاتَبَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَمِّ نُوحٍ، وَاسْتِقْدَامِهِ إِلَيْهِمْ وَمُبَايَعَتِهِ وَتَمْلِيكِهِ الْبِلَادَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ حِينَئِذٍ بِالْمَوْصِلِ فِي خِدْمَةِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِهِ إِلَيْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ أَظْهَرُوا عَلَيْهِ أَبَا عَلِيٍّ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، فَتَوَعَّدُوهُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ إِنْ خَالَفَهُمْ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، فَكَاتَبُوا إِبْرَاهِيمَ وَعَرَّفُوهُ حَالَهُمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي تِسْعِينَ فَارِسًا، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَقِيَهُ أَبُو عَلِيٍّ بِهَمَذَانَ وَسَارُوا مَعَهُ إِلَى الرَّيِّ فِي شَوَّالٍ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا اطَّلَعَ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ عَلَى كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ يُطْلِعُهُ عَلَى حَالِهِمْ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي الَّذِي أَسَاءَ إِلَى الْجُنْدِ، وَسَارَ إِلَى نَيْسَابُورَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الرَّيِّ وَالْجَبَلِ نُوَّابَهُ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ، فَتَجَهَّزَ وَسَارَ إِلَى مَرْوَ مِنْ بُخَارَى، وَكَانَ الْأَجْنَادُ قَدْ مَلُّوا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَاكِمِ الْمُتَوَلِّي لِلْأُمُورِ لِسُوءِ سِيرَتِهِ، فَقَالُوا لِنُوحٍ: إِنَّ الْحَاكِمَ أَفْسَدَ عَلَيْكَ الْأُمُورَ بِخُرَاسَانَ، وَأَحْوَجَ أَبَا عَلِيٍّ إِلَى الْعِصْيَانِ، وَأَوْحَشَ الْجُنُودَ، وَطَلَبُوا تَسْلِيمَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِلَّا سَارُوا إِلَى عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِي عَلِيٍّ، فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَتَلُوهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] .