ذِكْرُ أَقَطَاعِ الْبِلَادِ وَتَخْرِيبِهَا
فِيهَا شَغَبَ الْجُنْدُ عَلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ، وَأَسْمَعُوهُ الْمَكْرُوهَ، فَضَمِنَ لَهُمْ إِيصَالَ أَرْزَاقِهِمْ فِي مُدَّةٍ ذَكَرَهَا لَهُمْ، فَاضْطُرَّ إِلَى خَبْطِ النَّاسِ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ غَيْرِ وُجُوهِهَا، وَأَقْطَعَ قُوَّادَهُ وَأَصْحَابَهُ الْقُرَى جَمِيعَهَا الَّتِي لِلسُّلْطَانِ وَأَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ، فَبَطَلَ لِذَلِكَ أَكْثَرُ الدَّوَاوِينِ، وَزَالَتْ أَيْدِي الْعُمَّالِ، وَكَانَتِ الْبِلَادُ قَدْ خَرِبَتْ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَالْغَلَاءِ، وَالنَّهْبِ، فَأَخَذَ قُوَّادُهُ الْقُرَى الْعَامِرَةَ، وَزَادَتْ عِمَارَتُهَا مَعَهُمْ، وَتَوَفَّرَ دَخْلُهَا بِسَبَبِ الْجَاهِ، فَلَمْ يُمْكِنْ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ الْعَوْدَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْأَتْبَاعُ فَإِنَّ الَّذِي أَخَذُوهُ ازْدَادَ خَرَابًا، فَرَدُّوهُ وَطَلَبُوا الْعِوَضَ عَنْهُ، فَعُوِّضُوا، وَتَرَكَ الْأَجْنَادُ الِاهْتِمَامَ بِمَشَارِبِ الْقُرَى وَتَسْوِيَةِ طُرُقِهَا، فَهَلَكَتْ وَبَطَلَ الْكَثِيرُ مِنْهَا.
وَأَخَذَ غِلْمَانُ الْمُقْطَعِينَ فِي ظُلْمِ وَتَحْصِيلِ الْعَاجِلِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا عَجَزَ الْحَاصِلُ تَمَّمَهُ (بِمُصَادَرَاتِهَا) .
ثُمَّ إِنَّ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ فَوَّضَ حِمَايَةَ كُلِّ مَوْضِعٍ إِلَى بَعْضِ أَكَابِرِ أَصْحَابِهِ فَاتَّخَذَهُ مَسْكَنًا وَأَطْمَعَهُ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمُ الْإِخْوَةُ، وَصَارَ الْقُوَّادُ يَدَّعُونَ الْخَسَارَةَ فِي الْحَاصِلِ، فَلَا يَقْدِرُ وَزِيرُهُ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ، فَإِنِ اعْتَرَضَهُمْ مُعْتَرِضٌ صَارُوا أَعْدَاءً لَهُ، فَتُرِكُوا وَمَا يُرِيدُونَ، فَازْدَادَ طَمَعُهُمْ، وَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَ غَايَةٍ، فَتَعَذَّرَ عَلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ جَمْعُ ذَخِيرَةٍ تَكُونُ لِلنَّوَائِبِ وَالْحَوَادِثِ، وَأَكْثَرَ مِنْ إِعْطَاءِ غِلْمَانِهِ الْأَتْرَاكِ وَالزِّيَادَةِ لَهُمْ فِي الْأَقْطَاعِ، فَحَسَدَهُمُ الدَّيْلَمُ وَتَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَحْشَةُ وَالْمُنَافَرَةُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ مَوْتِ الْإِخْشِيدِ وَمِلْكِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ دِمَشْقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، مَاتَ الْإِخْشِيدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ طُغْجَ صَاحِبُ دِيَارِ مِصْرَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاذَ، وَكَانَ مَوْتُهُ بِدِمَشْقَ،