ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي رَمَضَانَ مَاتَ أَبُو طَاهِرٍ الْهَجَرِيُّ رَئِيسُ الْقَرَامِطَةِ، أَصَابَهُ جُدَرِيٌّ فَمَاتَ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ مِنْهُمْ: أَبُو الْقَاسِمِ سَعِيدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْأَكْبَرُ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهَذَانَ كَانَا يَتَّفِقَانِ مَعَ أَبِي طَاهِرٍ عَلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَانَ لَهُمَا أَخٌ ثَالِثٌ لَا يَجْتَمِعُ بِهِمَا، وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالشُّرْبِ وَاللَّهْوِ.
وَفِيهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى غَلَتِ الْأَسْعَارُ فِي بَغْدَاذَ حَتَّى بِيعَ الْقَفِيزُ الْوَاحِدُ مِنَ الدَّقِيقِ الْخُشْكَارِ بِنَيِّفٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا، وَالْخُبْزُ الْخُشْكَارُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ.
وَكَانَتِ الْأَمْطَارُ كَثِيرَةً مُسْرِفَةً جِدًّا حَتَّى (خَرِبَتِ الْمَنَازِلُ، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ تَحْتَ الْهَدْمِ، وَنَقُصَتْ قِيمَةُ الْعَقَارِ حَتَّى) صَارَ مَا كَانَ يُسَاوِي دِينَارًا يُبَاعُ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ حَقِيقَةً، وَمَا يَسْقُطُ مِنَ الْأَبْنِيَةِ لَا يُعَادُ، وَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنَ الْحَمَّامَاتِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَالْأَسْوَاقِ ; لِقِلَّةِ النَّاسِ، وَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنْ أَتَاتِينِ الْآجُرِّ ; لِقِلَّةِ الْبِنَاءِ، وَمَنْ يَضْطَّرُّ إِلَيْهِ اجْتَزَأَ بِالْأَنْقَاضِ، وَكَثُرَتِ الْكَبْسَاتُ مِنَ اللُّصُوصِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ حَمْدِيٍّ، وَتَحَارَسَ النَّاسُ بِالْبُوقَاتِ، وَعَظُمَ أَمْرُ ابْنِ حَمْدِيٍّ فَأَعْجَزَ النَّاسَ، وَأَمَّنَهُ ابْنُ شَيْرَزَادَ وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ مَعَهُ أَنْ يُوَصِّلَهُ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ مِمَّا يَسْرِقُهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ يَسْتَوْفِيهَا مِنِ ابْنِ حَمْدِيٍّ بِالرَّوْزَاتِ، فَعَظُمَ شَرُّهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الدَّيْلِمِيَّ، صَاحِبَ الشُّرْطَةِ بِبَغْدَاذَ، ظَفِرَ بِابْنِ حَمْدِيٍّ فَقَتَلَهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَخَفَّ عَنِ النَّاسِ بَعْضُ مَا هُمْ فِيهِ.
وَفِيهَا فِي شَعْبَانَ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي نِيسَانَ، ظَهَرَ فِي الْجَوِّ شَيْءٌ كَثِيرٌ سَتَرَ عَيْنَ