ذِكْرُ الْوَحْشَةِ بَيْنَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ وَتُوزُونَ
كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَنَالَ التُّرْجُمَانُ مِنْ أَكْبَرِ قُوَّادٍ تُوزُونَ، وَهُوَ خَلِيفَتُهُ بِبَغْدَاذَ، فَلَمَّا انْحَدَرَ تُوزُونُ إِلَى وَاسِطَ، سَعَى بِمُحَمَّدٍ إِلَيْهِ وَقَبُحَ ذِكْرُهُ عِنْدَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُحَمَّدًا فَنَفَرَ مِنْهُ.
وَكَانَ الْوَزِيرُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مُقْلَةَ قَدْ ضَمِنَ الْقُرَى الْمُخْتَصَّةَ بِتُوزُونَ بِبَغْدَاذَ، فَخَسِرَ فِيهَا جُمْلَةً، فَخَافَ أَنْ يُطَالَبَ بِهَا، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ اتِّصَالُ ابْنِ شَيْرَزَادَ بِتُوزُونَ، فَخَافَهُ الْوَزِيرُ وَغَيْرُهُ، وَظَنُّوا أَنَّ مَصِيرَهُ إِلَى تُوزُونَ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الْبَرِيدِيِّ، فَاتَّفَقَ التُّرْجُمَانُ وَابْنُ مُقْلَةَ، وَكَتَبُوا إِلَى ابْنِ حَمْدَانَ لِيُنْفِذَ عَسْكَرًا يَسِيرًا صُحْبَةَ الْمُتَّقِي لِلَّهِ إِلَيْهِ، وَقَالُوا لِلْمُتَّقِي: قَدْ رَأَيْتَ مَا فَعَلَ مَعَكَ الْبَرِيدِيُّ بِالْأَمْسِ، أَخَذَ مِنْكَ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَخْرَجْتَ عَلَى الْأَجْنَادِ مِثْلَهَا، وَقَدْ ضَمِنَكَ الْبَرِيدِيُّ مَنْ تُوزُونَ بِخَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ أُخْرَى، زَعَمَ أَنَّهَا فِي يَدِكَ مِنْ تَرِكَةِ بُجْكُمَ، وَابْنُ شَيْرَزَادَ وَاصِلٌ لِيَتَسَلَّمَكَ وَيَخْلَعَكَ وَيُسَلِّمَكَ إِلَى الْبَرِيدِيِّ، فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَى الْإِصْعَادِ إِلَى ابْنِ حَمْدَانَ، وَوَرَدَ ابْنُ شَيْرَزَادَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ جَرِيدَةً.
ذِكْرُ مَوْتِ السَّعِيدِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ السَّعِيدُ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ صَاحِبُ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ (فِي رَجَبٍ) ، وَكَانَ مَرَضُهُ السُّلَّ، فَبَقِيَ مَرِيضًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ مَشَايِخِ دَوْلَتِهِمْ أَحَدٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَعَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَهَلَكَ بَعْضُهُمْ، وَمَاتَ بَعْضُهُمْ، وَكَانَتْ وَلَايَتُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً (وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَكَانَ عُمُرُهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً) .
وَكَانَ حَلِيمًا، كَرِيمًا، عَاقِلًا، فَمِنْ حِلْمِهِ أَنَّ بَعْضَ الْخَدَمِ سَرَقَ جَوْهَرًا نَفِيسًا وَبَاعَهُ