وَكَانَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ يَزْهَدُ بِالْأَتْرَاكِ فِي الْعِرَاقِ، وَيُحْسِنُ لَهُمْ قَصْدَ الشَّامِ مَعَهُ وَالِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَى مِصْرَ، وَيَقَعُ فِي أَخِيهِ عِنْدَهُمْ، فَكَانُوا يُصَدِّقُونَهُ فِي أَخِيهِ، وَلَا يُجِيبُونَهُ إِلَى الْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ مَعَهُ، وَيَتَسَحَّبُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُجِيبُهُمْ إِلَى الَّذِي يُرِيدُونَهُ.
فَلَمَّا كَانَ سَلْخُ شَعْبَانَ، ثَارَ الْأَتْرَاكُ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ فَكَبَسُوهُ لَيْلًا، فَهَرَبَ مِنْ مُعَسْكَرِهِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَنَهَبَ سَوَادَهُ، وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَأَمَّا نَاصِرُ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، بَرَزَ لِيَسِيرَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَرَكِبَ الْمُتَّقِي إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ التَّوَقُّفَ عَنِ الْمَسِيرِ، فَأَظْهَرَ لَهُ الْإِجَابَةَ إِلَى أَنْ عَادَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَنُهِبَتْ دَارُهُ، وَثَارَ الدَّيْلَمُ وَالْأَتْرَاكُ وَدَبَّرَ الْأَمْرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْقَرَارِيطِيُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ بِوِزَارَةٍ.
وَكَانَتْ إِمَارَةُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ بِبَغْدَاذَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَوِزَارَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ إِلَى الْأَصْبَهَانَيِّ أَحَدًا وَخَمْسِينَ يَوْمًا، وَوَصَلَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى بَغْدَاذَ.
ذِكْرُ حَالِ الْأَتْرَاكِ بَعْدَ إِصْعَادِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ
لَمَّا هَرَبَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ مِنْ وَاسِطَ، عَادَ الْأَتْرَاكُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، فَوَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ تُوزُونَ وَخَجْخَجَ، وَتَنَازَعَا الْإِمَارَةَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَى أَنْ يَكُونَ تُوزُونُ أَمِيرًا وَخَجْخَجُ صَاحِبَ الْجَيْشِ، وَتَصَاهَرَا.
وَطَمِعَ الْبَرِيدِيُّ فِي وَاسِطَ، فَأَصْعَدَ إِلَيْهَا، فَأَمَرَ تُوزُونُ خَجْخَجَ بِالْمَسِيرِ إِلَى نَهَرِ أَبَانٍ، وَأَرْسَلَ الْبَرِيدِيُّ إِلَى تُوزُونَ يَطْلُبُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَاسِطَ، فَرَدَّهُ رَدًا جَمِيلًا، وَلَمْ يَفْعَلْ. وَلَمَّا عَادَ الرَّسُولُ أَتْبَعَهُ تُوزُونُ بِجَاسُوسٍ يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِ مَعَ خَجْخَجَ، فَعَادَ الْجَاسُوسُ فَأَخْبَرَ تُوزُونَ بِأَنَّ الرَّسُولَ اجْتَمَعَ هُوَ وَخَجْخَجُ وَطَالَ الْحَدِيثُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ خَجْخَجَ يُرِيدُ أَنْ