فَلَمَّا هَلَكَ عَمْرٌو وَتَفَرَّقَتْ حِمْيَرُ، وَثَبَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ الْمَمْلَكَةِ يُقَالُ لَهُ: لَخِيعَةُ نَوْفٍ ذُو شَنَاتِرَ فَمَلَكَهُمْ، فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ وَعَبَثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ، وَكَانَ امْرَأً فَاسِقًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِغُلَامٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لِئَلَّا يَمْلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَطَّلِعُ إِلَى حَرَسِهِ وَجُنْدِهِ قَدْ أَخَذَ سِوَاكًا فِي فِيهِ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ فَيَفْضَحُهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ ذِي نُوَاسٍ وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ
كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ زُرْعَةُ ذُو نُوَاسِ بْنُ تُبَّانَ أَسْعَدَ بْنِ كَرِبٍ، وَكَانَ صَغِيرًا حِينَ أُصِيبَ أَخُوهُ حَسَّانُ، فَشَبَّ غُلَامًا جَمِيلًا ذَا هَيْئَةٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ لَخِيعَةُ لِيَفْعَلَ بِهِ مَا كَانَ يَفْعَلُ بِغَيْرِهِ، فَأَخَذَ سِكِّينًا لَطِيفًا فَجَعَلَهُ بَيْنَ نَعْلِهِ وَقَدَمِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ، فَلَمَّا خَلَا بِهِ فِي الْمَشْرَبَةِ قَتَلَهُ ذُو نُوَاسٍ بِالسِّكِّينِ ثُمَّ احْتَزَّ رَأْسَهُ فَجَعَلَهُ فِي كُوَّةِ مَشْرَبَتِهِ الَّتِي يَطَّلِعُ مِنْهَا،