فَجَمَعَ السَّاجِيَّةَ، وَكَانَ هُوَ رَئِيسَهُمُ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِمْ، وَأَعْطَاهُمُ السِّلَاحَ، وَأَنْفَذُوا إِلَى الْحَجَرِيَّةِ: إِنْ كُنْتُمْ مُوَافِقِينَ لَنَا، فَجِيئُوا إِلَيْنَا حَتَّى نَحْلِفَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ، وَتَكُونَ كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً، فَاجْتَمَعُوا جَمِيعُهُمْ، وَتَحَالَفُوا عَلَى اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَقَتْلِ مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ.
فَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْقَاهِرِ وَوَزِيرِهِ الْخُصَيْبِيِّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْوَزِيرُ: مَا الَّذِي حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا؟ فَقَالُوا: قَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَاهِرَ يُرِيدُ الْقَبْضَ عَلَى سِيمَا، وَقَدْ عَمِلَ مَطَامِيرَ لِيَحْبِسَ فِيهَا قُوَّادَنَا وَرُؤَسَاءَنَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، اجْتَمَعَ السَّاجِيَّةُ وَالْحَجَرِيَّةُ عِنْدَ سِيمَا، وَتَحَالَفُوا عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْقَبْضِ عَلَى الْقَاهِرِ، فَقَالَ لَهُمْ سِيمَا: قُومُوا بِنَا السَّاعَةَ حَتَّى نُمْضِيَ هَذَا الْعَزْمَ، فَإِنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ عَلِمَ بِهِ، وَاحْتَرَزَ وَأَهْلَكَنَا.
وَبَلَغَ ذَلِكَ الْوَزِيرَ، فَأَرْسَلَ الْحَاجِبَ سَلَامَةَ وَعِيسَى الطَّبِيبَ لِيُعْلِمَاهُ بِذَلِكَ، فَوَجَدَاهُ نَائِمًا قَدْ شَرِبَ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ، فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى إِعْلَامِهِ بِذَلِكَ.
وَزَحَفَ الْحَجَرِيَّةُ وَالسَّاجِيَّةُ إِلَى الدَّارِ، وَوَكَّلَ سِيمَا بِأَبْوَابِهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، وَبَقِيَ هُوَ عَلَى بَابِ الْعَامَّةِ، وَهَجَمُوا إِلَى الدَّارِ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَابِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَاهِرُ الْأَصْوَاتَ وَالْجَلَبَةَ، اسْتَيْقَظَ مَخْمُورًا، وَطَلَبَ بَابًا يَهْرُبُ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْأَبْوَابَ جَمِيعُهَا مَشْحُونَةً بِالرِّجَالِ، فَهَرَبَ إِلَى سَطْحِ حَمَّامٍ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَوْمُ لَمْ يَجِدُوهُ، فَأَخَذُوا الْخَدَمَ وَسَأَلُوهُمْ عَنْهُ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ خَادِمٌ صَغِيرٌ، فَقَصَدُوهُ، فَرَأَوْهُ وَبِيَدِهِ السَّيْفُ، فَاجْتَهَدُوا بِهِ فَلَمْ يَنْزِلْ لَهُمْ، فَأَلَانُوا لَهُ الْقَوْلَ، وَقَالُوا: نَحْنُ عَبِيدُكَ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَ عَلَيْكَ الْعُهُودَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَقَالَ: مَنْ صَعِدَ إِلَيَّ قَتَلْتُهُ. فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ سَهْمًا، وَقَالَ: إِنْ نَزَلْتَ، وَإِلَّا وَضَعْتُهُ فِي نَحْرِكَ. فَنَزَلَ حِينَئِذٍ إِلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهُ وَسَارُوا بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ طَرِيفٌ السُّبْكَرِيُّ، فَفَتَحُوهُ وَأَخْرَجُوهُ مِنْهُ، وَحَبَسُوا الْقَاهِرَ مَكَانَهُ، ثُمَّ سَلَّمُوهُ، وَهَرَبَ وَزِيرُهُ الْخُصَيْبِيُّ وَسَلَامَةُ حَاجِبُهُ.
وَقِيلَ فِي سَبَبِ خَلْعِهِ وَقِيَامِ السَّاجِيَّةِ وَالْحَجَرِيَّةِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاهِرَ لَمَّا تَمَكَّنَ مِنَ الْخِلَافَةِ، أَقْبَلَ يَنْقُصُ السَّاجِيَّةَ وَالْحَجَرِيَّةَ عَلَى مَمَرِّ الْأَيَّامِ، وَلَا يَقْضِي لِأَكَابِرِهِمْ حَاجَةً، وَيُلْزِمُهُمُ النَّوْبَةَ فِي دَارِهِ، وَيُؤَخِّرُ أُعْطِيَاتِهِمْ، وَيُغْلِطُ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ مِنْهُمْ فِي أَمْرٍ، وَيَحْرِمُهُ، فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ يُنْذِرُ بَعْضًا، وَيَتَشَاكَوْنَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِسَلَامَةَ