(وَلَمَّا قَبَضَ الْقَاهِرُ عَلَى مُؤْنِسٍ وَجَمَاعَتِهِ) اسْتَعْمَلَ الْقَاهِرُ عَلَى الْحَجْبَةِ سَلَامَةَ الطُّولُونِيَّ وَعَلَى الشُّرْطَةِ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ خَاقَانَ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ عَلَى الْمُسْتَتِرِينَ، وَإِبَاحَةِ مَالِ مَنْ أَخْفَاهُمْ وَهَدْمِ دَارِهِ، وَجَدَّ فِي طَلَبِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُكْتَفِي، فَظَفِرَ بِهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ حَائِطًا وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ، وَظَفِرَ بِعَلِيِّ بْنِ بُلَيْقٍ فَقَتَلَهُ.

ذِكْرُ قَتْلِ مُؤْنِسٍ وَبُلَيْقٍ وَوَلَدِهِ عَلِيٍّ وَالنُّوبَخْتِيِّ

وَفِيهَا، فِي شَعْبَانَ، قَتَلَ الْقَاهِرُ مُؤْنِسًا الْمُظَفَّرَ، وَبُلَيْقًا، وَعَلِيَّ بْنَ بُلَيْقٍ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِمْ أَنَّ أَصْحَابَ مُؤْنِسٍ شَغَبُوا وَثَارُوا، وَتَبِعَهُمْ سَائِرُ الْجُنْدِ، وَأَحْرَقُوا رَوْشَنَ دَارِ الْوَزِيرِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَنَادَوْا بِشِعَارِ مُؤْنِسٍ، وَقَالُوا: لَا نَرْضَى إِلَّا بِإِطْلَاقِ مُؤْنِسٍ.

وَكَانَ الْقَاهِرُ قَدْ ظَفِرَ بِعَلِيِّ بْنِ بُلَيْقٍ، وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمْ فِي مَنْزِلٍ، فَلَمَّا شَغَبَ الْجُنْدُ دَخَلَ الْقَاهِرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ بُلَيْقٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَذُبِحَ وَاحْتُزَّ رَأْسُهُ، فَوَضَعُوهُ فِي طَشْتٍ، ثُمَّ مَضَى الْقَاهِرُ وَالطَّشْتُ يُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى بُلَيْقٍ فَوَضَعَ الطَّشْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِيهِ رَأْسُ ابْنِهِ، فَلَمَّا رَآهُ بَكَى، وَأَخَذَهُ يُقَبِّلُهُ وَيَتَرَشَّفُهُ، فَأَمَرَ بِهِ الْقَاهِرُ فَذُبِحَ أَيْضًا، وَجُعِلَ رَأْسُهُ فِي طَشْتٍ، وَحُمِلَ بَيْنَ يَدِيِ الْقَاهِرِ، وَمَضَى حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُؤْنِسٍ فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّأْسَيْنِ تَشَهَّدَ، وَاسْتَرْجَعَ، وَلَعَنَ قَاتِلَهُمَا، فَقَالَ الْقَاهِرُ: جُرُّوا بِرِجْلِ الْكَلْبِ الْمَلْعُونِ! فَجَرُّوهُ وَذَبَحُوهُ وَجَعَلُوا رَأْسَهُ فِي طَشْتٍ، وَأَمَرَ فَطِيفَ بِالرُّءُوسِ فِي جَانِبَيْ بَغْدَاذَ، وَنُودِيَ عَلَيْهَا: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَخُونُ الْإِمَامَ، وَيَسْعَى فِي فَسَادِ دَوْلَتِهِ، ثُمَّ أُعِيدَتْ وَنُظِّفَتْ وَجُعِلَتْ فِي خِزَانَةِ الرُّءُوسِ، كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015