وَكَانَ لِأَحْمَدَ إِخْوَةٌ يُقَالُ لَهُمْ مُحَمَّدٌ، وَالْفَضْلُ، وَالْحُسَيْنُ، قُتِلُوا فِي عَصَبِيَّةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِمَرْوَ، وَكَانَ أَحْمَدُ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ عَلَى مَرْوَ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ عَمْرٌو، وَنَقَلَهُ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَحَبَسَهُ بِهَا، فَرَأَى وَهُوَ فِي السِّجْنِ كَأَنَّ يُوسُفَ النَّبِيَّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى بَابِ السِّجْنِ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي وَيُوَلِّيَنِي! فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَذِنَ اللَّهُ فِي خَلَاصِكَ، لَكِنَّكَ لَا تَلِي عَمَلًا بِرَأْسِكَ.
ثُمَّ إِنَّ أَحْمَدَ طَلَبَ الْحَمَّامَ فَأُدْخِلُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ النُّورَةَ فَطَلَى بِهَا رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَسَقَطَ شَعْرُهُ، وَخَرَجَ مِنَ الْحَمَّامِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، فَاخْتَفَى، فَطَلَبَهُ عَمْرٌو فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ سِجِسْتَانَ نَحْوَ مَرْوَ، فَقَبَضَ عَلَى خَلِيفَةِ عَمْرٍو وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَاسْتَأْمَنَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بِبُخَارَى، فَأَكْرَمَهُ، وَقَدَّمَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَكَانَ عَاقِلًا كَتُومًا لِأَسْرَارِهِ.
فَلَمَّا عَصَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ سَيَّرَ إِلَيْهِ أَحْمَدَ، فَظَفِرَ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَضِمِنَ لَهُ الْأَمِيرُ نَصْرٌ أَشْيَاءَ لَمْ يَفِ لَهُ بِهَا، فَاسْتَوْحَشَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَاهُ يَوْمًا بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ صُعْلُوكٍ، فَحَادَثَهُ، فَأَنْشَدَهُ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ حَالَهُ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفُوا لَهُ بِمَا وَعَدُوهُ:
سَتَقْطَعُ فِي الدُّنْيَا إِذَا مَا قَطَعْتَنِي ... يَمِينَكَ، فَانْظُرْ أَيَّ كَفَّيْكَ تُبْدِّلُ
وَفِي النَّاسِ إِنْ رَثَّتْ حِبَالُكَ وَاصَلٌ ... وَفِي الْأَرْضِ عَنْ دَارِ الْعُلَى مُتَحَوَّلُ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أَخَاكَ وَجَدْتَهُ ... عَلَى طَرَفِ الْهِجْرَانِ إِنْ كَانَ يَعْقِلُ
وَتَرْكَبُ حَدَّ السَّيْفِ مِنْ أَنْ تُضِيمَهُ ... إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَفْرَةِ السَّيْفِ مَرْحَلُ
إِذَا انْصَرَفَتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيْءِ لَمْ تَكَدْ
-
إِلَيْهِ بِوَجْهٍ، آخِرَ الدَّهْرِ، تُقْبِلُ
قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أَضْمَرَ الْمُخَالَفَةَ، فَلَمْ تَمْضِ إِلَّا أَيَّامٌ حَتَّى خَالَفَهُ بِنَيْسَابُورَ