وَلَمَّا قُتِلَ أَبُو سَعِيدٍ كَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى هَجَرَ وَالْإِحْسَاءِ وَالْقَطِيفِ وَالطَّائِفِ، وَسَائِرِ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ، وَكَانَ الْمُقْتَدِرُ قَدْ كَتَبَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ كِتَابًا لَيِّنًا فِي مَعْنَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُنَاظِرُهُ، وَيُقِيمُ الدَّلِيلَ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِ، وَنَفَّذَهُ مَعَ الرُّسُلِ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْبَصْرَةِ بَلَغَهُمْ خَبَرُ مَوْتِهِ فَأَعْلَمُوا الْخَلِيفَةَ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى وَلَدِهِ، فَأَتَوْا أَبَا طَاهِرٍ بِالْكِتَابِ فَأَكْرَمَ الرُّسُلَ، وَأَطْلَقَ الْأَسْرَى، وَنَفَّذَهُمْ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَجَابَ عَنِ الْكِتَابِ.
ذِكْرُ مَسِيرِ جَيْشِ الْمَهْدِيِّ إِلَى مِصْرَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ الْمَهْدِيُّ الْعَسَاكِرَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ، وَسَيَّرَهَا مَعَ وَلَدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَسَارُوا إِلَى بُرْقَةَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَسَارُوا إِلَى مِصْرَ، فَمَلَكَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَالْفَيُّومَ، وَصَارَ فِي يَدِهِ أَكْثَرُ الْبِلَادِ، وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، فَسَيَّرَ إِلَيْهَا الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ مُؤْنِسًا الْخَادِمَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَحَارَبَهُمْ وَأَجْلَاهُمْ عَنْ مِصْرَ، فَعَادُوا إِلَى الْمَغْرِبِ مَهْزُومِينَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ الدَّمَوِيَّةُ، وَمَاتَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُهُمْ بِالْحَرْبِيَّةِ، فَإِنَّهَا أُغْلِقَتْ بِهَا دُورٌ كَثِيرَةٌ لِفَنَاءِ أَهْلِهَا.