فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ أَهْلُ صِقِلِّيَةَ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، (وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ) وَطَلَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ إِلَّا رَجُلَيْنِ هُمَا أَثَارَا الْفِتْنَةَ، فَرَضُوا بِذَلِكَ وَتَسَلَّمَ الرَّجُلَيْنِ، وَسَيَّرَهُمَا إِلَى الْمَهْدِيِّ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَتَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهَدَمَ أَبْوَابَهَا، وَأَتَاهُ كِتَابُ الْمَهْدِيِّ يَأْمُرُهُ بِالْعَفْوِ عَنِ الْعَامَّةِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الْأَنْدَلُسِ وَوِلَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَاكِمِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْأُمَوِيُّ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ عُمْرُهُ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَبْيَضَ، أَصْهَبَ، أَزْرَقَ، رَبْعَةً، يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَخَلَّفَ أَحَدَ عَشَرَ وَلَدًا ذَكَرًا، أَحَدُهُمْ مُحَمَّدٌ الْمَقْتُولُ، قَتَلَهُ فِي (حَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ) ، وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ وَلِي بَعْدَهُ (ابْنُ) ابْنِهِ هَذَا مُحَمَّدٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَاكِمِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (الدَّاخِلِ إِلَى الْأَنْدَلُسِ) ابْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَاكِمِ الْأُمَوِيُّ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ تُسَمَّى مُزْتَةُ، وَكَانَ عُمْرُهُ لَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ عِشْرِينَ يَوْمًا.
وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنَ الْمُسْتَطْرَفِ لِأَنَّهُ كَانَ شَابًّا، وَبِالْحَضْرَةِ أَعْمَامُهُ وَأَعْمَامُ أَبِيهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، وَوُلِّيَ الْإِمَارَةَ وَالْبِلَادَ كُلَّهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهُ، وَامْتَنَعَ حُصُونٌ