فَقَالَ: أَلَيْسَ بِتَّ فِي دَارِ أَبِي زَاكِي؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: وَمَا الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ دَارِكَ؟ قَالَ: خِفْتُ. قَالَ: وَهَلْ يَخَافُ الْإِنْسَانُ إِلَّا مِنْ عَدُوِّهِ؟ فَعَلِمَ أَنَّ أَمْرَهُ ظَهَرَ لِلْمَهْدِيِّ، فَخَرَجَ وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ، وَخَافُوا، وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْحُضُورِ.

فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلْمَهْدِيِّ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْقَدِيمِ، كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَوْمِ، وَعِنْدَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، مِنْ أَمْوَالِ زِيَادَةِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا مَوْلَايَ إِنْ شِئْتَ أَتَيْتُكَ بِهِمْ، وَمَضَى فَجَاءَ بِهِمْ، فَعَلِمَ الْمَهْدِيُّ صِحَّةَ مَا قِيلَ عَنْهُ، فَلَاطَفَهُمْ وَفَرَّقَهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَجَعَلَ أَبَا زَاكِي وَالِيًا عَلَى طَرَابُلُسَ، وَكَتَبَ إِلَى عَامِلِهَا أَنْ يَقْتُلَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ، فَلَمَّا وَصَلَهَا قَتَلَهُ عَامِلُهَا، وَأَرْسَلَ رَأْسَهُ إِلَى الْمَهْدِيِّ، فَهَرَبَ ابْنُ الْقَدِيمِ، فَأُخِذَ، فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ.

وَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ عَرُوبَةَ وَرِجَالًا مَعَهُ أَنْ يَرْصُدُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَأَخَاهُ الْعَبَّاسَ، وَيَقْتُلُوهُمَا، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى قُرْبِ الْقَصْرِ حَمَلَ عَرُوبَةُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ يَا بُنَيَّ! فَقَالَ: الَّذِي أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ أَمَرَنَا بِقَتْلِكَ، فَقُتِلَ هُوَ وَأَخُوهُ، وَكَانَ قَتْلُهُمَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَبُو زَاكِي، فَقِيلَ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ صَلَّى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَجَزَاكَ خَيْرًا بِجَمِيلِ سَعْيِكَ.

وَثَارَتْ فِتْنَةٌ بِسَبَبِ قَتْلِهِمَا، وَجَرَّدَ أَصْحَابُهُمَا السُّيُوفَ، فَرَكِبَ الْمَهْدِيُّ وَأَمَّنَ النَّاسَ، فَسَكَنُوا، ثُمَّ تَتَبَّعَهُمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ.

وَثَارَتْ فِتْنَةٌ ثَانِيَةٌ بَيْنَ كُتَامَةَ وَأَهْلِ الْقَيْرَوَانِ، قُتِلَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَخَرَجَ الْمَهْدِيُّ وَسَكَّنَ الْفِتْنَةَ، وَكَفَّ الدُّعَاةَ عَنْ طَلَبِ التَّشَيُّعِ مِنَ الْعَامَّةِ.

وَلَمَّا اسْتَقَامَتِ الدَّوْلَةُ لِلْمَهْدِيِّ عَهِدَ إِلَى وَلَدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ نِزَارٍ بِالْخِلَافَةِ، وَرَجَعَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015