ذِكْرُ مَسِيرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِلَى سِجِلْمَاسَةَ وَظُهُورِ الْمَهْدِيِّ

لَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْأُمُورُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (فِي رَقَّادَةَ وَسَائِرِ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ) أَتَاهُ أَخُوهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدٌ، فَفَرِحَ بِهِ، وَكَانَ هُوَ الْكَبِيرَ، فَسَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ مِنْ رَقَّادَةَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى إِفْرِيقِيَةَ أَخَاهُ أَبَا الْعَبَّاسِ، وَأَبَا زَاكِي، وَسَارَ فِي جُيُوشٍ عَظِيمَةٍ، فَاهْتَزَّ الْمَغْرِبُ لِخُرُوجِهِ، وَخَافَتْهُ زَنَاتَةُ، وَزَالَتِ الْقَبَائِلُ عَنْ طَرِيقِهِ، وَجَاءَتْ رُسُلُهُمْ وَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ.

فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ سِجِلْمَاسَةَ، (وَانْتَهَى خَبَرُهُ إِلَى أَلْيَسَعَ بْنِ مِدْرَارٍ، أَمِيرِ سِجِلْمَاسَةَ) ، أَرْسَلَ إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَهُوَ فِي حَبْسِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، يَسْأَلُهُ عَنْ نَسَبِهِ وَحَالِهِ، وَهَلْ إِلَيْهِ قَصَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ فَحَلَفَ لَهُ الْمَهْدِيُّ أَنَّهُ مَا رَأَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، (وَلَا عَرَفَهُ) ، وَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ تَاجِرٌ، فَاعْتُقِلَ فِي دَارٍ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِوَلَدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمَا الْحَرَسَ، وَقُرِّرَ وَلَدُهُ أَيْضًا، فَمَا حَالَ عَنْ كَلَامِ أَبِيهِ، وَقَرَّرَ رِجَالًا كَانُوا مَعَهُ، (وَضَرَبَهُمْ) ، فَلَمْ يُقِرُّوا بِشَيْءٍ.

وَسَمِعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ذَلِكَ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَلْيَسَعَ يَتَلَطَّفُهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْحَرْبَ، وَإِنَّمَا لَهُ حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ عِنْدَهُ، وَوَعَدَهُ الْجَمِيلَ، فَرَمَى الْكِتَابَ، وَقَتَلَ الرُّسُلَ، فَعَادُوهُ بِالْمُلَاطَفَةِ خَوْفًا عَلَى الْمَهْدِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ، فَقَتَلَ الرَّسُولَ أَيْضًا، فَأَسْرَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي السَّيْرِ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلْيَسَعُ، وَقَاتَلَهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ، (وَافْتَرَقُوا) ، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ هَرَبَ أَلْيَسَعُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، وَبَاتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ فِي غَمٍّ عَظِيمٍ لَا يَعْلَمُونَ مَا صُنِعَ بِالْمَهْدِيِّ وَوَلَدِهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْبَلَدِ، وَأَعْلَمُوهُ بِهَرَبِ أَلْيَسَعَ، فَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْبَلَدَ، وَأَتَوُا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015