اخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ سِتَّمِائَةِ رَاجِلٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا عَسْكَرَ زِيَادَةِ اللَّهِ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَمَضَوْا لِمَا أَمَرَهُمْ فِي الطَّرِيقِ (الَّذِي أَمَرَهُمْ) بِسُلُوكِهِ.
وَاتَّفَقَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَالْتَقَى الطَّائِفَتَانِ، فَاقْتَتَلُوا فِي مَضِيقٍ هُنَاكَ، (فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيمَ، وَوَقَعَ الصَّوْتُ فِي عَسْكَرِهِ بِكَمِينِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) (وَانْهَزَمُوا، وَتَفَرَّقُوا) ، وَهَرَبَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى جِهَةِ بِلَادِهِمْ، وَهَرَبَ إِبْرَاهِيمُ وَبَعْضُ مَنْ مَعَهُ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، (وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَغَنِمُوا الْأَمْوَالَ وَالْخَيْلَ وَالْعُدَدَ، وَدَخَلَ أَصْحَابُهُ مَدِينَةَ الْأُرْبُسِ فَقَتَلُوا بِهَا خَلْقًا عَظِيمًا، وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا الْجَامِعَ فَقُتِلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَنَهَبُوا الْبَلَدَ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ أَوَاخِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَانْصَرَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلَى قَمُّودَةَ.
فَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ الْهَزِيمَةِ إِلَى زِيَادَةِ اللَّهِ هَرَبَ (إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمَّا هَرَبَ زِيَادَةُ اللَّهِ هَرَبَ) أَهْلُ مَدِينَةِ رَقَّادَةَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، فِي اللَّيْلِ، إِلَى الْقَصْرِ الْقَدِيمِ، وَإِلَى الْقَيْرَوَانِ، وَسُوَسَةَ، وَدَخَلَ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ رَقَّادَةَ وَنَهَبُوا مَا فِيهَا، وَأَخَذَ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ، وَنُهِبَتْ قُصُورُ بَنِيَ الْأَغْلَبِ، وَبَقِيَ النَّهْبُ سِتَّةَ أَيَّامٍ.
وَوَصَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْأَغْلَبِ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَقَصَدَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ، وَنَادَى مُنَادِيهِ بِالْأَمَانِ، وَتَسْكِينِ النَّاسِ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَحْوَالَ زِيَادَةِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَفْسَدَ مُلْكَهُ، وَصَغَّرَ أَمْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيِّ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْهُمْ، وَيَحْمِيَ حَرِيمَهُمْ وَبَلَدَهُمْ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالْأَمْوَالِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا نَحْنُ فُقَهَاءُ، وَعَامَّةٌ، وَتُجَّارٌ، وَمَا فِي أَمْوَالِنَا مَا يَبْلُغُ غَرَضَكَ، وَلَيْسَ لَنَا بِالْقِتَالِ طَاقَةٌ، فَأَمَرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَأَعْلَمُوا النَّاسَ بِمَا قَالَهُ صَاحُوا بِهِ: اخْرُجْ عَنَّا، فَمَا لَكَ عِنْدَنَا سَمْعٌ وَلَا طَاعَةٌ! وَشَتَمُوهُ، فَخَرَجَ عَنْهُمْ وَهُمْ يَرْجُمُونَهُ.
وَلَمَّا بَلَغَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَرَبُ زِيَادَةِ اللَّهِ كَانَ بِنَاحِيَةِ سَبِيبَةَ، وَرَحَلَ فَنَزَلَ بِوَادِي