وَزَعَمَ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ نَسَبِهِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِمَّنْ كَتَبَ فِي الْمَحْضَرِ إِنَّمَا كَتَبُوا خَوْفًا وَتَقِيَّةً، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْأَنْسَابِ فَلَا احْتِجَاجَ بِقَوْلِهِ.
وَزَعَمَ الْأَمِيرُ عَبْدُ الْعَزِيزِ، صَاحِبُ تَارِيخِ إِفْرِيقِيَّةَ وَالْمَغْرِبِ، أَنَّ نَسَبَهُ مُعْرِقٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدِ اسْتَقْصَى، ذِكْرَ ابْتِدَاءِ دَوْلَتِهِمْ، وَبَالَغَ.
وَأَنَا أَذْكُرُ مَعْنَى مَا قَالَهُ مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنْ عُهْدَةِ طَعْنِهِ فِي نَسَبِهِ، وَمَا عَدَاهُ فَقَدْ أَحْسَنَ فِيمَا ذَكَرَ، قَالَ:
لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى سَيِّدَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرُّومِ وَالْفُرْسِ وَقُرَيْشٍ، وَسَائِرِ الْعَرَبِ، لِأَنَّهُ سَفَّهَ أَحْلَامَهُمْ، (وَعَابَ) أَدْيَانَهُمْ وَآلِهَتَهُمْ، وَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ، فَاجْتَمَعُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَيْهِ، فَكَفَاهُ اللَّهُ كَيْدَهُمْ، وَنَصَرَهُ عَلَيْهِمْ، فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا قُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجَمَ النِّفَاقُ، وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَظَنُّوا أَنَّ الصَّحَابَةَ يَضْعُفُونَ بَعْدَهُ، فَجَاهَدَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَتَلَ مُسَيْلِمَةَ، وَرَدَّ الرِّدَّةَ، وَأَذَلَّ الْكُفْرَ، وَوَطَّأَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ، وَغَزَا فَارِسَ وَالرُّومَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ظَنُّوا أَنَّ بِوَفَاتِهِ يَنْتَقِصُ الْإِسْلَامُ.
فَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَذَلَّ فَارِسَ وَالرُّومَ، وَغَلَبَ عَلَى مَمَالِكِهَا، فَدَسَّ عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ أَبَا لُؤْلُؤَةَ فَقَتَلَهُ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ بِقَتْلِهِ يَنْطَفِئُ نُورُ الْإِسْلَامِ.
فَوُلِّيَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِي الْفُتُوحِ، وَاتَّسَعَتْ مَمْلَكَةُ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا قُتِلَ وَوُلِّيَ بَعْدَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ قَامَ بِالْأَمْرِ أَحْسَنَ قِيَامٍ.
فَلَمَّا يَئِسَ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ مِنَ اسْتِئْصَالِهِ بِالْقُوَّةِ أَخَذُوا فِي وَضْعِ الْأَحَادِيثِ الْكَاذِبَةِ، وَتَشْكِيكِ ضَعَفَةِ الْعُقُولِ فِي دِينِهِمْ، بِأُمُورٍ قَدْ ضَبَطَهَا الْمُحَدِّثُونَ، وَأَفْسَدُوا الصَّحِيحَ