وَلَمَّا رَأَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ ذَلِكَ رَكِبَ وَمَعَهُ وَزِيرُهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ وَهَرَبَا، وَغُلَامٌ لَهُ يُنَادِي بَيْنَ يَدَيْهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَامَّةِ، ادْعُوا لِخَلِيفَتِكُمُ السُّنِّيِّ الْبَرْبَهَارِيِّ، وَإِنَّمَا نُسِبَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ لِأَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَرْبَهَارِيَّ كَانَ مُقَدَّمَ الْحَنَابِلَةِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْعَامَّةِ، وَلَهُمْ فِيهَا اعْتِقَادٌ عَظِيمٌ، فَأَرَادَ اسْتِمَالَتَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الْمُعْتَزِّ وَمَنْ مَعَهُ سَارُوا نَحْوَ الصَّحْرَاءِ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ مَنْ بَايَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ يَتْبَعُونَهُ، فَلَمْ يَلْحَقْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَكَانُوا عَزَمُوا أَنْ يَسِيرُوا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى بِمَنْ يَتْبَعُهُمْ مِنَ الْجُنْدِ، فَيَشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ أَحَدٌ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ الرَّأْيِ، وَاخْتَفَى مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ (فِي دَارِهِ) وَنَزَلَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ عَنْ (دَابَّتِهِ) وَمَعَهُ غُلَامُهُ يُمْنٌ، وَانْحَدَرَ إِلَى دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَصَّاصِ، فَاسْتَجَارَ بِهِ، وَاسْتَتَرَ أَكْثَرُ مَنْ بَايَعَ ابْنَ الْمُعْتَزِّ، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَالنَّهْبُ وَالْقَتْلُ بِبَغْدَاذَ، وَثَارَ الْعَيَّارُونَ وَالسِّفْلُ يَنْهَبُونَ الدُّورَ.
وَكَانَ ابْنُ عَمْرَوَيْهِ، صَاحِبُ الشُّرْطَةِ، مِمَّنْ بَايَعَ ابْنَ الْمُعْتَزِّ، فَلَمَّا هَرَبَ جَمَعَ ابْنُ عَمْرَوَيْهِ أَصْحَابَهُ، وَنَادَى بِشِعَارِ الْمُقْتَدِرِ، يُدَلِّسُ بِذَلِكَ فَنَادَاهُ الْعَامَّةُ: يَا مُرَائِي، يَا كَذَّابُ! وَقَاتَلُوهُ، فَهَرَبَ وَاسْتَتَرَ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، فَهَجَاهُ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ بِأَبْيَاتٍ مِنْهَا:
بَايَعُوهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْأَنْ ... وُكِ إِلَّا التَّغْيِيرُ وَالتَّخْبِيطُ