وَلَمَّا وَرَدَ خَبَرُ هَذِهِ الْوَقْعَةِ إِلَى بَغْدَاذَ أَعْظَمَهَا الْخَلِيفَةُ وَالنَّاسُ، وَنَدَبَ إِلَى الْقَرَامِطَةِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجَ، وَضَمَّ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْرَابِ بَنِي شَيْبَانَ وَغَيْرَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَأَعْطَاهُمُ الْأَرْزَاقَ، وَرَحَلَ زَكْرَوَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى نَهْرِ الْمُثْنِيَةِ لِنَتَنِ الْقَتْلَى.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

وَفِيهَا، فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ، قَدِمَ إِلَى بَغْدَاذَ قَائِدٌ مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ مُسْتَأْمِنًا، وَيُعْرَفُ بِأَبِي قَابُوسَ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ طَاهِرًا تَشَاغَلَ بِاللَّهْوِ وَالصَّيْدِ، وَمَضَى إِلَى سِجِسْتَانَ لِلصَّيْدِ وَالتَّنَزُّهِ، فَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ بِفَارِسَ اللَّيْثُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اللَّيْثِ، وَسُبْكَرِيٌّ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَا الْقَائِدِ تَبَاعُدٌ، فَفَارَقَهُمْ، وَوَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَسْأَلُ رَدَّ أَبِي قَابُوسَ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ جَبَى الْمَالَ وَأَخَذَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيْهِ، أَوْ تَحْتَسِبَ لَهُ بِمَا ذَهَبَ مَعَهُ مِنَ الْمَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَارِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ الْخَلِيفَةُ إِلَى ذَلِكَ.

وَفِيهَا صَارَتِ الدَّاعِيَةُ الَّتِي لِلْقَرَامِطَةِ بِالْيَمَنِ إِلَى مَدِينَةِ صَنْعَاءَ، فَحَارَبَهُ أَهْلُهَا، فَظَفِرَ بِهِمْ وَقَتَلَهُمْ، فَلَمْ يَفْلِتْ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَتَغَلَّبَ عَلَى سَائِرِ مُدُنِ الْيَمَنِ، ثُمَّ اجْتَمَعَ أَهْلُ صَنْعَاءَ وَغَيْرِهَا، فَحَارَبُوا الدَّاعِيَةَ، فَهَزَمُوهُ فَانْحَازَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ نَوَاحِي الْيَمَنِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْخَلِيفَةَ، فَخَلَعَ عَلَى الْمُظَفَّرِ بْنِ حَاجٍّ فِي شَوَّالٍ، وَسَيَّرَهُ إِلَى عَمَلِهِ بِالْيَمَنِ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.

وَفِيهَا أَغَارَتِ الرُّومُ عَلَى قُورُسَ، مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُهَا قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْهَزَمُوا، وَقَتَلُوا (أَكْثَرَهُمْ، وَقَتَلُوا رُؤَسَاءَ بَنِي تَمِيمٍ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015