بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ، وَكَانَ أَدِيبًا لَبِيبًا شُجَاعًا أَحَدَ الْفُرْسَانِ الْمَذْكُورِينَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَرْبِ، وَتَصَرُّفِهَا. وَكَانَ عَاقِلًا عَالِمًا لَهُ نَظَرٌ حَسَنٌ فِي الْجَدَلِ.
وَفِي أَيَّامِهِ عَظُمَ أَمْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيِّ، فَأَرْسَلَ أَخَاهُ الْأَحْوَلَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحْوَلَ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا نَظَرَ دَائِمًا رُبَّمَا كَسَرَ جَفْنَهُ، فَلُقِّبَ بِالْأَحْوَلِ، إِلَى قِتَالِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيِّ. فَلَمَّا بَلَغَهُ حَرَكَتُهُ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي جُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَالْتَقَوْا عِنْدَ كَمُّوشَةَ، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ خَلْقٌ عَظِيمٌ، وَانْهَزَمَ الْأَحْوَلُ، إِلَّا أَنَّهُ أَقَامَ فِي مُقَابَلَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ.
وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيَّامَ أَبِيهِ عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ مِنْهُ لِسُوءِ أَخْلَاقِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُوهُ عَلَى صِقِلِّيَةَ فَفَتَحَ فِيهَا مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ أَيَّامَ وَالِدِهِ.
وَلَمَّا وَلِيَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِفْرِيقِيَّةَ، كَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ كِتَابًا يُقْرَأُ عَلَى الْعَامَّةِ، يَعِدُهُمْ فِيهِ الْإِحْسَانَ، وَالْعَدْلَ، وَالرِّفْقَ، وَالْجِهَادَ، فَفَعَلَ مَا وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ، (وَأَحْضَرَ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ لِيُعِينُوهُ عَلَى أَمْرِ الرَّعِيَّةِ) .
وَلَهُ شِعْرٌ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ بِصِقِلِّيَةَ وَقَدْ شَرِبَ دَوَاءً:
شَرِبْتُ الدَّوَاءَ عَلَى غُرْبَةٍ ... بَعِيدًا مِنَ الْأَهْلِ وَالْمَنْزِلِ
وَكُنْتُ إِذَا مَا شَرِبْتُ الدَّوَا ... أُطَيِّبُ بِالْمِسْكِ وَالْمَنْدَلِ
وَقَدْ
صَارَ شُرْبِي بِحَارَ الْدِّمَا
وَنَقْعَ الْعَجَاجَةِ وَالْقَسْطَلِ