الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا طَلَبَ مِنْ أَهْلِهَا الْمُسَاعَدَةَ بِالْمَالِ، وَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ بِالْمُضْطَرِّ مُرُوءَةٌ ; فَأَقَامَ بِهَا نَحْوَ شَهْرٍ، وَانْحَدَرَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَاتَّصَلَ بِأَبِي أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ إِلَى الْجَبَلِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَوَصَلَهُ بِمَالٍ، وَأَقَامَ ابْنُ كُنْدَاجَ بِدِيَارِ رَبِيعَةَ، وَدِيَارِ مُضَرَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الطَّائِيِّ، وَفَارِسٍ الْعَبْدِيِّ
وَفِيهَا ظَهَرَ فَارِسٌ الْعَبْدِيُّ فِي جَمْعٍ، فَأَخَافَ السَّبِيلَ، وَسَارَ إِلَى دُورِ سَامَرَّا، وَنَهَبَ، فَسَارَ إِلَيْهِ الطَّائِيُّ مُقَاتِلًا، فَهَزَمَهُ الطَّائِيُّ، وَأَخَذَ سَوَادَهُ، ثُمَّ سَارَ الطَّائِيُّ إِلَى دِجْلَةَ لِيَعْبُرَهَا، فَدَخَلَ طَيَّارَةً لَهُ، فَأَدْرَكَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ فَارِسٍ فَتَعَلَّقُوا بِكَوْثَلِ الطَّيَّارَةِ، فَرَمَى الطَّائِيُّ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ وَسَبَحَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ نَفَضَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: إِيشْ ظَنُّ الْعَبْدِيِّ؟ أَلَيْسَ أَنَا أَسْبَحُ مِنْ سَمَكَةٍ؟ ثُمَّ نَزَلَ الطَّائِيُّ السِّنَّ وَالْعَبْدِيُّ بِإِزَائِهِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ بَسَّامٍ فِي الطَّائِيِّ:
قَدْ أَقْبَلَ الطَّائِيُّ مَا أَقْبَلَا ... يَفْتَحُ فِي الْأَفْعَالِ مَا أَجْمَلَا
كَأَنَّهُ مِنْ لِينِ أَلْفَاظِهِ ... صَبِيَّةٌ تَمْضُغُ جَهْدَ الْبَلَا
وَجَهْدُ الْبَلَا ضَرْبٌ مِنَ النَّافِطِ يُتَعَلَّكُ.
وَفِيهَا قَبَضَ الْمُوَفَّقُ عَلَى الطَّائِيِّ وَقَيَّدَهُ، وَخَتَمَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَهُ، وَكَانَ يَلِي الْكُوفَةَ وَسَوَادَهَا، وَطَرِيقَ خُرَاسَانَ، وَسَامَرَّا، وَالشُّرْطَةَ بِبَغْدَاذَ، وَخَرَاجِ بَادُورِيَا، وَقُطْرَبُّلَ، وَمَسِكَنَ.
ذِكْرُ قَبْضِ الْمُوَفَّقِ عَلَى ابْنِهِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَوَّالٍ، قَبَضَ الْمُوَفَّقُ عَلَى ابْنِهِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوَفَّقَ دَخَلَ إِلَى وَاسِطَ وَنَزَلَ بِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَتَخَلَّفَ