لَا تَقُلْ بُشْرَى، وَلَكِنْ بُشْرَيَانِ ... عِزَّةُ الدَّاعِي وَيَوْمُ الْمِهْرَجَانِ
فَقَالَ لَهُ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَفْتَتِحَ الْأَبْيَاتَ بِغَيْرِ لَا، فَإِنَّ الشَّاعِرَ الْمُجِيدَ يَتَخَيَّرُ لِأَوَّلِ الْقَصِيدَةِ مَا يُعْجِبُ السَّامِعَ، وَيَتَبَرَّكُ بِهِ، وَلَوِ ابْتَدَأَتْ بِالْمِصْرَاعِ الثَّانِي لَكَانَ أَحْسَنُ، فَقَالَ الشَّاعِرُ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا كَلِمَةٌ أَجْلُّ مَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَوَّلُهَا لَا، فَقَالَ: أَصَبْتَ! وَأَجَازَهُ.
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ غَنَّى عِنْدَهُ مُغَنٍّ بِأَبْيَاتِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ الَّتِي أَوَّلُهَا:
وَأَنَا الْأَخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُنِي؟ ... أَخْضَرُ الْجِلْدَةِ مِنْ بَيْتِ الْعَرَبِ
فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى قَوْلِهِ:
بِرَسُولِ اللَّهِ وَابْنَيْ عَمِّهِ ... وَبِعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
غَيَّرَ الْبَيْتَ فَقَالَ: لَا بِعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَغَضِبَ الْحَسَنُ، وَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ، تَهْجُو بَنِي عَمِّنَا بَيْنَ يَدَيَّ، وَتُحَرِّفُ مَا مُدِحُوا بِهِ؟ لَئِنْ فَعَلْتَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً لَأَجْعَلَنَّهَا آخِرَ غِنَائِكَ.
ذِكْرُ وَفَاةِ أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ، وَوِلَايَةِ ابْنِهِ خُمَارَوَيْهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بْنُ طُولُونَ، صَاحِبُ مِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالثُّغُورِ الشَّامِيَّةِ.
وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّ نَائِبَهُ بِطَرَسُوسَ وَثَبَ عَلَيْهِ يَازْمَانُ الْخَادِمُ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَعَصَى عَلَى أَحْمَدَ، وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ، فَجَمَعَ أَحْمَدُ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ أَذَنَةَ كَاتَبَهُ وَرَاسَلَهُ يَسْتَمِيلُهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى رِسَالَتِهِ فَسَارَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَنَازَلَهُ وَحَصَرَهُ، فَخَرَقَ يَازْمَانُ نَهْرَ الْبَلَدِ عَلَى مَنْزِلَةِ الْعَسْكَرِ، فَكَادَ النَّاسُ يَهْلِكُونَ، فَرَحَلَ أَحْمَدُ مَغِيظًا حَنِقًا، وَكَانَ الزَّمَانُ شِتَاءً، وَأَرْسَلَ إِلَى يَازْمَانَ: إِنَّنِي لَمْ أَرْحَلْ إِلَّا خَوْفًا أَنْ تَنْخَرِقَ حُرْمَةُ هَذَا الثَّغْرِ فَيَطْمَعَ فِيهِ الْعَدُوُّ.
فَلَمَّا عَادَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ أَكَلَ لَبَنَ الْجَوَامِيسِ، فَأَكْثَرَ مِنْهُ، فَأَصَابَهُ مِنْهُ هَيْضَةٌ،