بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُوَفَّقِيَّةِ.
وَمَضَى الْخَبِيثُ فِي أَصْحَابِهِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ أَنْكِلَايُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ، وَقُوَّادٌ مِنَ الزِّنْجِ وَغَيْرِهِمْ، هَارِبِينَ، عَامِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ كَانَ الْخَبِيثُ قَدْ أَعَدَّهُ مَلْجَأً إِذَا غُلِبَ عَلَى مَدِينَتِهِ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ بِالسُّفْيَانِيِّ، وَكَانَ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ قَدِ اشْتَغَلُوا بِالنَّهْبِ، وَالْإِحْرَاقِ، وَتَقَدَّمَ الْمُوَفَّقُ فِي الشَّذَا نَحْوَ نَهْرِ السُّفْيَانِيِّ، وَمَعَهُ لُؤْلُؤٌ وَأَصْحَابُهُ، فَظَنَّ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَدِينَتِهِمُ الْمُوَفَّقِيَّةِ، فَانْصَرَفُوا إِلَى سُفُنِهِمْ بِمَا قَدْ حَوَوْا، وَانْتَهَى الْمُوَفَّقُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى عَسْكَرِ الْخَبِيثِ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ، وَاتَّبَعَهُمْ لُؤْلُؤٌ فِي أَصْحَابِهِ، حَتَّى عَبَرَ السُّفْيَانِيَّ فَاقْتَحَمَ لُؤْلُؤٌ بِفَرَسِهِ، وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ بِالْفِرَبْرِيِّ فَوَصَلَ إِلَيْهِ لُؤْلُؤٌ، وَأَصْحَابُهُ، فَأَوْقَعُوا بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ، فَهَزَمَهُمْ حَتَّى عَبَرَ نَهْرَ السُّفْيَانِيِّ، وَلُؤْلُؤٌ فِي أَثَرِهِمْ، فَاعْتَصَمُوا بِجَبَلٍ وَرَاءَهُ، وَانْفَرَدَ لُؤْلُؤٌ وَأَصْحَابُهُ بِاتِّبَاعِهِمْ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ فِي آخِرِ النَّهَارِ، فَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ بِالِانْصِرَافِ فَعَادَ مَشْكُورًا مَحْمُولًا لِفِعْلِهِ، فَحَمَلَهُ الْمُوَفَّقُ مَعَهُ، وَجَدَّدَ لَهُ مِنَ الْبِرِّ، وَالْكَرَامَةِ وَرِفْعَةِ الْمَنْزِلَةِ مَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَرَجَعَ الْمُوَفَّقُ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَدِينَةِ الزِّنْجِ، فَرَجَعَ إِلَى مَدِينَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِالْفَتْحِ، وَهَزِيمَةِ الزِّنْجِ وَصَاحِبِهِمْ.
وَكَانَ الْمُوَفَّقُ قَدْ غَضِبَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَهُ، وَتَرْكِهِمُ الْوُقُوفَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ، فَجَمَعَهُمْ جَمِيعًا، وَوَبَّخَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَغْلَظَ لَهُمْ، فَاعْتَذَرُوا بِمَا ظَنُّوهُ مِنَ انْصِرَافِهِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَسِيرِهِ، وَلَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَأَسْرَعُوا نَحْوَهُ، ثُمَّ تَعَاقَدُوا، وَتَحَالَفُوا بِمَكَانِهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَنْصَرِفَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِذَا تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْخَبِيثِ حَتَّى يَظْفَرُوا بِهِ، فَإِنْ أَعْيَاهُمْ أَقَامُوا بِمَكَانِهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَسَأَلُوا الْمُوَفَّقَ أَنْ يَرُدَّ السُّفُنَ الَّتِي يَعْبُرُونَ فِيهَا إِلَى الْخَبِيثِ، لِيَنْقَطِعَ النَّاسُ عَنِ الرُّجُوعِ، فَشَكَرَهُمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِالتَّأَهُّبِ.
وَأَقَامَ الْمُوَفَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْجُمُعَةِ يُصْلِحُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ عَشِيَّةَ الْجُمُعَةِ بِالْمَسِيرِ إِلَى حَرْبِ الْخُبَثَاءِ بُكْرَةَ السَّبْتِ، وَطَافَ عَلَيْهِمْ هُوَ بِنَفْسِهِ يُعَرِّفُ كُلَّ قَائِدٍ مَرْكَزَهُ، وَالْمَكَانَ الَّذِي يَقْصِدُهُ، وَغَدَا الْمُوَفَّقُ يَوْمَ السَّبْتِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ صَفَرٍ، فَعَبَرَ