ذِكْرُ مُلْكِ الْمُسْلِمِينَ مَدِينَةَ سَرَقُوسَةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ، مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ سَرَقُوسَةَ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ [مُدُنِ] صِقِلِّيَّةَ.
وَكَانَ سَبَبُ مُلْكِهَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَمِيرَ صِقِلِّيَّةَ غَزَاهَا، فَأَفْسَدَ زَرْعَهَا، وَزَرْعَ قَطَانِيَةَ، وَطَبَرْمِينَ، وَرَمْطَةَ، وَغَيْرَهَا مِنْ بِلَادِ صِقِلِّيَّةَ الَّتِي بِيَدِ الرُّومِ، وَنَازَلَ سَرَقُوسَةَ، وَحَصَرَهَا بَرًّا وَبَحْرًا، وَمَلَكَ بَعْضَ أَرْبَاضِهَا، وَوَصَلَتْ مَرَاكِبُ الرُّومِ نَجْدَةً لَهَا، فَسَيَّرَ إِلَيْهَا أُسْطُولًا، فَأَصَابُوهَا، فَتَمَكَّنُوا حِينَئِذٍ مِنْ حَصْرِهَا، فَأَقَامَ الْعَسْكَرُ مُحَاصِرًا لَهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَفُتِحَتْ، وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِهَا عِدَّةُ أُلُوفٍ، أُصِيبَ فِيهَا مِنَ الْغَنَائِمِ مَا لَمْ يُصَبْ بِمَدِينَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَنْجُ مِنْ رِجَالِهَا إِلَّا الشَّاذُّ الْفَذُّ.
وَأَقَامُوا فِيهَا بَعْدَ فَتْحِهَا بِشَهْرَيْنِ، ثُمَّ هَدَمُوهَا، ثُمَّ وَصَلَ بَعْدَ هَدْمِهَا مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أُسْطُولٌ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ، فَظَفِرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَ قِطَعٍ، فَقَتَلُوا مَنْ فِيهَا، وَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَلَدِهِمْ آخِرَ ذِي الْقَعْدَةِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
(فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ ابْنَهُ الْمُنْذِرَ فِي جَيْشٍ إِلَى مَدِينَةِ بَنْبَلُونَةَ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى سَرَقُسْطَةَ، فَقَاتَلَ أَهْلَهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى تُطِيلَةَ، وَجَالَ فِي مَوَاضِعَ بَنِي مُوسَى، ثُمَّ دَخَلَ بَنْبَلُونَةَ، فَخَرَّبَ كَثِيرًا مِنْ حُصُونِهَا وَأَذْهَبَ زُرُوعَهَا وَعَادَ سَالِمًا.
وَفِيهَا سَارَ جَمْعٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى مَدِينَةِ جُلَيْقِيَةَ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ قُتِلَ فِيهَا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَثِيرٌ.
وَفِيهَا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَغْلَبِ، صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ، مِنْ بِنَاءِ رَقَّادَةَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ عِمَارَتِهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَمَّا (فَرَغَتِ انْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ إِلَيْهَا) .