الزَّنْجِ، فَسَيَّرَ صِهْرَهُ (عَبْدَ الرَّحْمَنِ) لِمُحَارَبَةِ الزَّنْجِ، فَلَقِيَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ بِنَاحِيَةِ دَوْلَابَ، فَقُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَانْحَازَ أَبُو السَّاجِ إِلَى نَاحِيَةِ عَسْكَرِ مُكْرَمٍ، وَدَخَلَ الزَّنْجُ الْأَهْوَازَ، فَقَتَلُوا أَهْلَهَا، وَسَبَوْا وَأَحْرَقُوا.
ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو السَّاجِ عَمَّا كَانَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَهْوَازِ، وَحَرْبِ الزَّنْجِ، وَوَلَّاهَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ سِيمَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى انْصَرَفَ عَنْهَا مَعَ مُوسَى بْنِ بُغَا.
وَفِيهَا وَلِيَ مُحَمَّدُ بْنُ أَوْسٍ الْبَلْخِيُّ طَرِيقَ خُرَاسَانَ.
ذِكْرُ عَوْدِ الصَّفَّارِ إِلَى فَارِسَ وَالْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ وَاصِلٍ
لَمَّا كَانَ مِنَ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُفْلِحٍ وَبَيْنَ ابْنِ وَاصِلٍ مَا ذَكَرْنَاهُ، اتَّصَلَ خَبَرُهُمَا إِلَى يَعْقُوبَ الصَّفَّارِ وَهُوَ بِسِجِسْتَانَ، فَتَجَدَّدَ طَمَعُهُ فِي مُلْكِ بِلَادِ فَارِسَ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْخَزَائِنِ وَالسِّلَاحِ الَّتِي غَنِمَهَا ابْنُ وَاصِلٍ مِنَ ابْنِ مُفْلِحٍ، فَسَارَ مُجِدًّا.
وَبَلَغَ ابْنُ وَاصِلٍ خَبَرُ قُرْبِهِ مِنْهُ وَأَنَّهُ نَزَلَ الْبَيْضَاءَ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ، وَهُوَ بِالْأَهْوَازِ، فَعَادَ عَنْهَا لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ، وَأَرْسَلَ خَالَهُ أَبَا بِلَالٍ مِرْدَاسًا إِلَى الصَّفَّارِ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ، وَضَمِنَ لَهُ طَاعَةَ ابْنِ وَاصِلٍ، فَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ الصَّفَّارُ إِلَى ابْنِ وَاصِلٍ كُتُبًا وَرُسُلًا فِي الْمَعْنَى، فَحَبَسَهُمُ ابْنُ وَاصِلٍ، وَسَارَ يَطْلُبُ الصَّفَّارَ وَالرُّسُلُ مَعَهُ يُرِيدُ أَنْ يُخْفِيَ خَبَرَهُ، وَأَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفَّارِ بَغْتَةً لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَيَنَالُ مِنْهُ غَرَضَهُ، وَيُوقِعُ بِهِ.
فَسَارَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فِي أَرْضٍ صَعْبَةِ الْمَسْلَكِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ خَبَرَهُ قَدْ خَفِيَ عَنِ الصَّفَّارِ، فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ تَعِبَتْ دَوَابُّهُمْ، فَنَزَلُوا لِيَسْتَرِيحُوا، فَمَاتَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ وَاصِلٍ مِنَ الرَّجَّالَةِ كَثِيرٌ جُوعًا وَعَطَشًا، وَبَلَغَ خَبَرُهُمُ الصَّفَّارَ، فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ وَأَعْلَمَهُمُ الْخَبَرَ وَسَارَ، وَقَالَ لِأَبِي بِلَالٍ: إِنَّ ابْنَ وَاصِلٍ قَدْ غَدَرَ بِنَا، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ! وَمَضَى الصَّفَّارُ إِلَى ابْنِ وَاصِلٍ، فَلَمَّا قَارَبَهُمْ وَعَلِمُوا بِهِ انْخَذَلُوا وَضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمُوا خُطْوَةً، فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ رَمْيَةُ سَهْمٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ وَاصِلٍ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَتَبِعَهُمْ عَسْكَرُ الصَّفَّارِ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ جَمِيعَ مَا غَنِمُوا مِنَ ابْنِ مُفْلِحٍ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ فَارِسَ، وَرَتَّبَ بِهَا أَصْحَابَهُ وَأَصْلَحَ أَحْوَالَهَا.
(وَمَضَى ابْنُ وَاصِلٍ مُنْهَزِمًا، فَأَخَذَ أَمْوَالَهُ مِنْ قَلْعَتِهِ، وَكَانَتْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ