وَرَدُّوا الْمَظَالِمَ جَمِيعًا حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَقْلَعُ الْحَجَرَ مِنْ بِنَائِهِ فَيَرُدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ.
فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَكَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَقِيلَ: لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَانْتَظَرَ يُونُسُ الْخَبَرَ عَنِ الْقَرْيَةِ وَأَهْلِهَا حَتَّى مَرَّ بِهِ مَارٌّ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ؟ فَقَالَ: تَابُوا إِلَى اللَّهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ وَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ. فَغَضِبَ يُونُسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ كَذَّابًا! ، وَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ رَدَّ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بَعْدَمَا غَشِيَهُمْ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ، وَمَضَى غَاضِبًا لِرَبِّهِ. وَكَانَ فِي حِدَّةٍ وَعَجَلَةٍ وَقِلَّةِ صَبْرٍ، وَلِذَلِكَ نُهِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48] .
وَلَمَّا مَضَى ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، أَيْ يَقْضِي عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ، وَقِيلَ: يُضَيِّقُ عَلَيْهِ الْحَبْسَ، فَسَارَ حَتَّى رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَأَصَابَ أَهْلَهَا عَاصِفٌ مِنَ الرِّيحِ، وَقِيلَ: بَلْ وَقَفَتْ فَلَمْ تَسِرْ، فَقَالَ مَنْ فِيهَا: هَذِهِ بِخَطِيئَةِ أَحَدِكُمْ! فَقَالَ يُونُسُ: هَذِهِ خَطِيئَتِي فَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمْ {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] ، فَلَمْ يُلْقُوهُ، وَفَعَلُوا ذَلِكَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُلْقُوهُ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَذَلِكَ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يَخْمِشَ لَهُ لَحْمًا وَلَا يَكْسِرَ لَهُ عَظْمًا، فَأَخَذَهُ وَعَادَ إِلَى مَسْكَنِهِ مِنَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ سَمِعَ يُونُسُ حِسًّا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَا هَذَا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: إِنَّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ، فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ، فَقَالُوا: رَبَّنَا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ. فَقَالَ: ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ. فَقَالُوا: الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ عَمَلٌ صَالِحٌ؟ فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]- ظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ -! وَكَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ - لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143 - 144] وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا عَثَرَ {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] ، أُلْقِيَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ