ذِكْرُ خَلْعِ الْمُعْتَزِّ وَمَوْتِهِ
وَفِيهَا، فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، خُلِعَ الْمُعْتَزُّ، وَلِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ ظَهَرَ مَوْتُهُ.
وَكَانَ سَبَبُ خَلْعِهِ أَنَّ الْأَتْرَاكَ لَمَّا فَعَلُوا بِالْكُتَّابِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ يُحَصَّلْ مِنْهُمْ مَالٌ، سَارُوا إِلَى الْمُعْتَزِّ يَطْلُبُونَ أَرْزَاقَهُمْ، وَقَالُوا: أَعْطِنَا أَرْزَاقَنَا حَتَّى نَقْتُلَ صَالِحَ بْنَ وَصِيفٍ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُعْطِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُ إِلَى خَمْسِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَأَرْسَلَ الْمُعْتَزُّ إِلَى أُمِّهِ يَسْأَلُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ مَالًا لِيُعْطِيَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ.
فَلَمَّا رَأَى الْأَتْرَاكُ أَنَّهُمْ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِّ شَيْءٌ، وَلَا مِنْ أُمِّهِ، وَلَيْسَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ، وَكَلِمَةُ الْمَغَارِبَةِ، وَالْفَرَاغِنَةِ، عَلَى خَلْعِ الْمُعْتَزِّ، فَسَارُوا إِلَيْهِ وَصَاحُوا، فَدَخَلَ إِلَيْهِ صَالِحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بُغَا الْمَعْرُوفُ بِأَبِي نَصْرٍ، وَبَايَكْبَاكَ فِي السِّلَاحِ، فَجَلَسُوا عَلَى بَابِهِ، وَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنِ اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَقَالَ: قَدْ شَرِبْتُ أَمْسِ دَوَاءً، وَقَدْ أَفْرَطَ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلْيَدْخُلْ بَعْضُكُمْ! وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ أَمْرَهُ وَاقِفٌ عَلَى حَالِهِ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَجَّرُوهُ بِرِجْلِهِ إِلَى بَابِ الْحُجْرَةِ، وَضَرَبُوهُ بِالدَّبَابِيسِ، وَخَرَقُوا قَمِيصَهُ، وَأَقَامُوهُ فِي الشَّمْسِ فِي الدَّارِ، فَكَانَ يَرْفَعُ رِجْلًا وَيَضَعُ أُخْرَى لِشِدَّةِ الْحَرِّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَلْطِمُهُ وَهُوَ يَتَّقِي بِيَدِهِ، وَأَدْخَلُوهُ حُجْرَةً، وَأَحْضَرُوا ابْنَ أَبِي الشَّوَارِبِ وَجَمَاعَةً أَشْهَدُوهُمْ عَلَى خَلْعِهِ، وَشَهِدُوا عَلَى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ أَنَّ لِلْمُعْتَزِّ وَأُمِّهِ وَوَلَدِهِ وَأُخْتِهِ الْأَمَانَ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ قَدِ اتَّخَذَتْ فِي دَارِهَا سَرَبًا، فَخَرَجَتْ مِنْهُ هِيَ وَأُخْتُ الْمُعْتَزِّ، وَكَانُوا أَخَذُوا عَلَيْهَا الطَّرِيقَ، (وَمَنَعُوا أَحَدًا يَجُوزُ إِلَيْهَا) ، وَسَلَّمُوا الْمُعْتَزَّ إِلَى مَنْ يُعَذِّبُهُ، فَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَطَلَبَ حَسْوَةً مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ، فَمَنَعُوهُ، ثُمَّ أَدْخَلُوهُ سِرْدَابًا، وَجَصَّصُوا عَلَيْهِ، فَمَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ أَشْهَدُوا عَلَى مَوْتِهِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْقُوَّادَ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ، وَدَفَنُوهُ مَعَ الْمُنْتَصِرِ.
وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ مِنْ لَدُنْ بُويِعَ إِلَى أَنْ خُلِعَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.