255 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ يَعْقُوبَ بْنِ اللَّيْثِ الصَّفَّارِ عَلَى كَرْمَانَ
وَفِيهَا اسْتَوْلَى يَعْقُوبُ بْنُ اللَّيْثِ الصَّفَّارُ عَلَى كَرْمَانَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ شِبْلٍ كَانَ عَلَى فَارِسَ، فَكَتَبَ إِلَى الْمُعْتَزِّ يَطْلُبُ كَرْمَانَ، وَيَذْكُرُ عَجْزَ الطَّاهِرِيَّةِ، وَأَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ غَلَبَهُمْ عَلَى سِجِسْتَانَ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَدْ تَبَاطَأَ بِحَمْلِ خَرَاجِ فَارِسَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُعْتَزُّ بِوِلَايَةِ كَرْمَانَ، وَكَتَبَ إِلَى يَعْقُوبَ بْنِ اللَّيْثِ بِوِلَايَتِهَا أَيْضًا، يَلْتَمِسُ إِغْرَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِصَاحِبِهِ لِيُسْقِطَ مَؤُونَةَ الْهَالِكِ عَنْهُ، وَيَنْفَرِدَ بِالْآخَرِ.
وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُظْهِرُ طَاعَةً لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَالْمُعْتَزُّ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَرْسَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ طَوْقَ بْنَ الْمُغَلِّسِ إِلَى كَرْمَانَ، وَسَارَ يَعْقُوبُ إِلَيْهَا، فَسَبَقَهُ طَوْقٌ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَأَقْبَلَ يَعْقُوبُ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَرْمَانَ مَرْحَلَةٌ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَيْنِ لَا يَتَقَدَّمُ إِلَى طَوْقٍ، وَلَا طَوْقٌ يَخْرُجُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَظْهَرَ الِارْتِحَالَ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَارْتَحَلَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَبَلَغَ طَوْقًا ارْتِحَالُهُ فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ فِي حَرْبِهِ، وَتَرَكَ كَرْمَانَ، فَوَضَعَ آلَةَ الْحَرْبِ، وَقَعَدَ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمَلَاهِي.
وَاتَّصَلَ بِيَعْقُوبَ إِقْبَالُ طَوْقٍ عَلَى الشُّرْبِ، فَكَّرَ رَاجِعًا، فَطَوَى الْمَرْحَلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَشْعُرْ طَوْقٌ إِلَّا بِغَبَرَةِ عَسْكَرِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: غَبَرَةُ الْمَوَاشِي، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعِ مِنْ مُوَافَاةِ يَعْقُوبَ، فَأَحَاطَ بِهِ وَأَصْحَابِهِ، (فَذَهَبَ أَصْحَابُهُ) يُرِيدُونَ الْمُنَاهَضَةَ وَالدَّفْعَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ يَعْقُوبُ لِأَصْحَابِهِ: أَفْرِجُوا لِلْقَوْمِ! فَمَرُّوا هَارِبِينَ، وَخَلَّوْا كُلَّ مَا لَهُمْ، وَأَسَرَ يَعْقُوبُ طَوْقًا.