وَأَتَاهُمْ كِتَابُ بَعْضِ عُيُونِهِمْ مِنَ الْأَنْبَارِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْقَتْلَى كَانَتْ مِنَ التُّرْكِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ، وَالْجَرْحَى نَحْوَ أَرْبَعِ مِائَةٍ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَنْ أَسَرَهُ الْأَتْرَاكُ مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، وَأَنَّهُ عَدَّ رُؤُوسَ الْقَتْلَى فَكَانَتْ سَبْعِينَ رَأْسًا، وَكَانُوا أَخَذُوا جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فَأَطْلَقُوهُمْ، فَرَحَلَ الْحُسَيْنُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَسَارَ حَتَّى عَبَرَ نَهَرَ أَرْبَقَ، فَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ أَتَاهُ إِنْسَانٌ فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْأَتْرَاكَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ إِلَيْهِ فِي عِدَّةِ مَخَاضَاتٍ، فَضَرَبَهُ، وَوَكَّلَ بِمَوَاضِعِ الْمَخَاضِ رَجُلًا مِنْ قُوَّادِهِ يُقَالُ لَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الْأَرْمَنِيُّ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ، فَأَتَى الْأَتْرَاكُ الْمَخَاضَةَ، فَرَأَوُا الْمُوكَلَ بِهَا، فَتَرَكُوهَا إِلَى مَخَاضَةٍ أُخْرَى، فَقَاتَلُوهُمْ، وَصَبَرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَبَعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّ الْأَتْرَاكَ قَدْ وَافَوُا الْمَخَاضَةَ، فَقِيلَ لِلرَّسُولِ: الْأَمِيرُ نَائِمٌ، فَأَرْسَلَ آخَرَ، فَقِيلَ لَهُ: الْأَمِيرُ فِي الْمَخْرَجِ، فَأَرْسَلَ آخَرَ، فَقِيلَ [لَهُ] : الْأَمِيرُ قَدْ عَادَ فَنَامَ، فَعَبَرَ الْأَتْرَاكُ، فَقَعَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي زَوْرَقٍ وَانْحَدَرَ، وَهَرَبَ أَصْحَابُهُ مُنْهَزِمِينَ، وَقَتَلَ الْأَتْرَاكُ مِنْهُمْ وَأَسَرُوا نَحْوَ مِائَتَيْنِ، وَانْحَدَرَتْ عَامَّةُ السُّفُنِ فَسُلِّمَتْ، وَوَضَعَ الْأَتْرَاكُ السَّيْفَ، وَغَرِقَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَوَصَلَ الْمُنْهَزِمُونَ بَغْدَادَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَوَافَى بَقِيَّتُهُمْ فِي النَّهَارِ، وَاسْتَوْلَى الْأَتْرَاكُ عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَقُتِلَ عِدَّةٌ مِنْ قُوَّادِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ فِي الْحُسَيْنِ:

يَا أَحْزَمَ النَّاسِ رَأَيًا فِي تَخَلُّفِهِ ... عَنِ الْقِتَالِ خَلَطْتَ الصَّفْوَ بِالْكَدَرِ

لَمَّا رَأَيْتَ سُيُوفَ التُّرْكِ مُصْلَتَةً ... عَلِمْتَ مَا فِي سُيُوفِ التُّرْكِ مِنْ قَدَرِ

فَصِرْتَ مُضَجِّرًا ذُلًّا وَمَنْقَصَةً ... وَالنُّجْحُ يَذْهَبُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالضَّجَرِ

وَلَحِقَ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُتَّابِ وَبَنِي هَاشِمٍ بِالْمُعْتَزِّ، فَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ عَلِيُّ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا الْوَاثِقِ وَغَيْرُهُمَا.

ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُمْ عِدَّةُ وَقَعَاتٍ، وَقُتِلَ فِيهَا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمَاعَةٌ، وَدَخَلَ الْأَتْرَاكُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْحُرُوبِ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ تَكَاثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015