عَلَيْهِ الْجَوْشَنُ، فَأَمَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ رَأْسَهُ، وَعَرَفَهُ رَجُلٌ كَانَ مَعَهُ، وَسَيَّرَ الرَّأْسَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَادَّعَى قَتْلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَسَيَّرَ مُحَمَّدٌ الرَّأْسَ إِلَى الْمُسْتَعِينِ، فَنُصِبَ بِسَامَرَّا لَحْظَةً، ثُمَّ حَطَّهُ، وَرَدَّهُ إِلَى بَغْدَادَ ; لِيُنْصَبَ بِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ; لِكَثْرَةِ مَنِ اجْتَمَعَ مِنَ النَّاسِ، فَخَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ، فَلَمْ يَنْصِبْهُ، وَجَعَلَهُ فِي صُنْدُوقٍ فِي بَيْتِ السِّلَاحِ.
وَوَجَّهَ الْحُسَيْنَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بِرُؤُوسِ مَنْ قَتَلَ، وَبِالْأَسْرَى، فَحُبِسُوا بِبَغْدَاذَ، وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ الْعَفْوَ عَنْهُمْ، فَأَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِمْ، وَأَنْ تُدْفَنَ الرُّؤُوسُ وَلَا تُنْصَبَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ بِقَتْلِ يَحْيَى جَلَسَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَهْنَأُ بِذَلِكَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاوُدُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ! إِنَّكَ لَتَهْنَأُ بِقَتْلِ رَجُلٍ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيًّا لَعُزِّيَ بِهِ، فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ شَيْئًا، فَخَرَجَ دَاوُدُ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا بَنِي طَاهِرٍ كُلُوهُ وَبِيئًا ... إِنَّ لَحْمَ النَّبِيِّ غَيْرُ مَرِيِّ
إِنَّ وِتْرًا يَكُونُ طَالِبَهُ اللَّهُ ... لَوِتْرٌ نَجَاحُهُ بِالْحَرِيِّ
وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ مَرَاثِيَ يَحْيَى لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالدِّيَانَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
بَكَتِ الْخَيْلُ شَجْوَهَا بَعْدَ يَحْيَى ... وَبَكَاهُ الْمُهَنَّدُ الْمَصْقُولُ
وَبَكَتْهُ الْعِرَاقُ شَرْقًا وَغَرْبًا ... وَبَكَاهُ الْكِتَابُ وَالتَّنْزِيلُ
وَالْمُصَلَّى وَالْبَيْتُ وَالرُّكْنُ وَالْحِجْرُ ... جَمِيعًا لَهُ عَلَيْهِ عَوِيلُ
كَيْفَ لَمْ تَسْقُطِ السَّمَاءُ عَلَيْنَا يَوْمَ قَالُوا: أَبُو الْحُسَيْنِ قَتِيلُ ... وَبَنَاتُ النَّبِيِّ يُبْدِينَ شَجْوًا مُوجَعَاتٍ دُمُوعُهُنَّ هُمُولُ
قَطَعَتْ وَجْهَهُ سُيُوفُ الْأَعَادِي ... بِأَبِي وَجْهُهُ الْوَسِيمُ، الْجَمِيلُ