وَكَانَ الْمُعْتَصِمُ، إِذَا أَرَادَ قَتْلَ أَحَدٍ، فَعِنْدَ إِيتَاخَ يُقْتَلُ، وَبِيَدِهِ، فَحَبَسَ مِنْهُمْ أَوَّلًا الْمَأْمُونَ بْنَ سُنْدُسٍ، وَابْنَ الزَّيَّاتِ، وَصَالِحَ بْنَ عُجَيْفٍ، وَغَيْرَهُمْ، وَكَانَ مَعَ الْمُتَوَكِّلِ فِي مَرْتَبَتِهِ، وَإِلَيْهِ الْجَيْشُ، وَالْمَغَارِبَةُ، وَالْأَتْرَاكُ، وَالْأَمْوَالُ، وَالْبَرِيدُ، وَالْحِجَابَةُ، وَدَارُ الْخِلَافَةِ
فَلَمَّا تَمَكَّنَ الْمُتَوَكِّلُ مِنِ الْخِلَافَةِ شَرِبَ فَعَرْبَدَ عَلَى إِيتَاخَ، فَهَمَّ إِيتَاخُ بِقَتْلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْمُتَوَكِّلُ قِيلَ لَهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، أَنْتَ أَبِي، وَأَنْتَ رَبَّيْتَنِي، ثُمَّ وَضَعَ عَلَيْهِ مَنْ يُحَسِّنُ لَهُ الْحَجَّ، فَاسْتَأْذَنَ (فِيهِ الْمُتَوَكِّلَ، فَأَذِنَ) لَهُ، وَصَيَّرَهُ أَمِيرَ كُلِّ بَلَدٍ يَدْخُلُهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَسَارَ الْعَسْكَرُ جَمِيعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا فَارَقَ جُعِلَتِ الْحِجَابَةُ إِلَى وَصَيْفٍ فِي ذِي الْقِعْدَةِ.
وَقِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
ذِكْرُ الْخُلْفِ بِإِفْرِيقِيَّةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ التُّجِيبِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْقُوَيْعِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْأَغْلَبِ أَمِيرِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا، فَحَصَرَهُ بِمَدِينَةِ تُونِسَ هَذِهِ السَّنَةَ، فَلَمْ يَبْلُغُوا مِنْهُ غَرَضًا، فَعَادُوا عَنْهُ.
فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَغْلَبِ جَيْشًا، فَالْتَقَوْا بِالْقُرْبِ مِنْ تُونِسَ، فَفَارَقَ جَيْشَ ابْنِ الْأَغْلَبِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَقَصَدُوا الْقُوَيْعَ فَصَارُوا مَعَهُ، فَانْهَزَمَ جَيْشُ ابْنِ الْأَغْلَبِ وَقَوِيَ الْقُوَيْعُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَغْلَبِ إِلَيْهِ جَيْشًا، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْقُوَيْعُ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَدْرَكَ الْقُوَيْعَ إِنْسَانٌ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَدَخَلَ جَيْشُ ابْنِ الْأَغْلَبِ مَدِينَةَ تُونِسَ بِالسَّيْفِ فِي جُمَادَى الْأُولَى.