لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعَلَمَ، فَأَحْضَرَ صَالِحًا وَطَلَبَ مِنْهُ شِرَاءَهَا، فَأَهْدَاهَا لَهُ، فَعَوَّضَهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَمَطَلَهُ بِهَا ابْنُ الزَّيَّاتِ، فَأَعَادَتِ الصَّوْتَ، فَقَالَ الْوَاثِقُ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَعَلَى مَنْ رَبَّاكِ! فَقَالَتْ: وَمَا يَنْفَعُ مَنْ رَبَّانِي؟ أَمَرْتَ لَهُ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ! فَكَتَبَ إِلَى ابْنِ الزَّيَّاتِ يَأْمُرُهُ بِإِيصَالِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَأَضْعَفَهُ لَهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَتَرَكَ صَالِحٌ عَمَلَ السُّلْطَانِ، وَاتَّجَرَ فِي الْمَالِ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ النَّحْوِيُّ: اسْتَحْضَرَنِي الْوَاثِقُ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَلَمَّا حَضَرْتُ عِنْدَهُ قَالَ: مَنْ خَلَّفْتَ بِالْبَصْرَةِ؟ قُلْتُ: أُخْتًا لِي صَغِيرَةً. قَالَ: فَمَا قَالَتِ الْمِسْكِينَةُ؟ قُلْتُ: مَا قَالَتِ ابْنَةُ الْأَعْشَى:
تَقُولُ ابْنَتِي، حِينَ جَدَّ الرَّحِيلُ
:
أَرَانَا سَوَاءً وَمَنْ قَدْ يَتِمْ ... فَيَا أَبَتَا لَا تَزَلْ عِنْدَنَا
فَإِنَّا نَخَافُ بِأَنْ تُخْتَرَمْ ... أَرَانَا إِذَا أَضَمْرَتْكَ الْبِلَادُ
نُجْفَى وَتُقْطَعُ مِنَّا الرَّحِمْ
قَالَ: فَمَا رَدَدْتَ عَلَيْهَا؟ قُلْتُ: مَا قَالَ جَرِيرٌ لِابْنَتِهِ:
ثِقِي بِاللَّهِ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَمِنْ عِنْدِ الْخَلِيفَةِ بِالنَّجَاحِ
فَضَحِكَ، وَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُتَوَكِّلِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ الْمُعْتَصِمِ، بَعْدَ مَوْتِ الْوَاثِقِ. (وَسَبَبُ خِلَافَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْوَاثِقُ حَضَرَ الدَّارَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادَ، وَإِيتَاخُ، وَوَصِيفٌ، وَعُمَرُ بْنُ فَرَجٍ، وَابْنُ الزَّيَّاتِ، وَأَبُو الْوَزِيرِ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَزَمُوا عَلَى الْبَيْعَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْوَاثِقِ) ، وَهُوَ غُلَامٌ أَمرَدُ، قَصِيرٌ، فَأَلْبَسُوهُ دُرَّاعَةً سَوْدَاءَ وَقَلَنْسُوَةَ، فَإِذَا هُوَ قَصِيرٌ، فَقَالَ وَصِيفٌ: أَمَا تَتَّقُونَ اللَّهَ؟ تُوَلُّونَ هَذَا الْخِلَافَةَ! فَتَنَاظَرُوا فِيمَنْ تُوَلُّونَهُ. فَذَكَرُوا عِدَّةً ثُمَّ أُحْضِرَ الْمُتَوَكِّلُ، فَلَمَّا حَضَرَ أَلْبَسَهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادَ الطَّوِيلَةَ، وَعَمَّمَهُ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ،