دَخَلُوا مَرَاكِبَهُمْ، وَأَحْجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ، فَسَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَسَيَّرَ جَيْشًا آخَرَ غَيْرَهُمْ، فَقَاتَلُوا الْمَجُوسَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَرَجَعَ الْمَجُوسُ عَنْهُمْ، فَتَبِعَهُمُ الْعَسْكَرُ ثَانِيَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَقَاتَلُوهُمْ، وَأَتَاهُمُ الْمَدَدُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَنَهَضُوا لِقِتَالِ الْمَجُوسِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْمَجُوسُ وَقَاتَلُوهُمْ، فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يَنْهَزِمُونَ، ثُمَّ ثَبَتُوا، فَتَرَجَّلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَانْهَزَمَ الْمَجُوسُ، وَقُتِلَ نَحْوُ خَمْسِ مِائَةِ رَجُلٍ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ مَرَاكِبَ، فَأَخَذُوا مَا فِيهَا، وَأَحْرَقُوهَا، وَبَقُوا أَيَّامًا لَا يَصِلُونَ إِلَى الْمَجُوسِ، لِأَنَّهُمْ فِي مَرَاكِبِهِمْ.
ثُمَّ خَرَجَ الْمَجُوسُ إِلَى لَبْلَةَ، فَأَصَابُوا سَبْيًا، ثُمَّ نَزَلَ الْمَجُوسُ إِلَى جَزِيرَةٍ قُرَيبَ قُورِيسَ، فَنَزَلُوهَا، وَقَسَّمُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَحَمِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَدَخَلُوا إِلَيْهِمْ فِي النَّهْرِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْمَجُوسِ رَجُلَيْنِ، ثُمَّ رَحَلَ الْمَجُوسُ فَطَرَقُوا شَدُونَةَ فَغَنِمُوا طُعْمَةً وَسَبْيًا، وَأَقَامُوا يَوْمَيْنِ.
ثُمَّ وَصَلَتْ مَرَاكِبُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، صَاحِبِ الْأَنْدَلُسِ، إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهَا الْمَجُوسُ لَحِقُوا بِلَبْلَةَ، فَأَغَارُوا، وَسَبَوْا، ثُمَّ لَحِقُوا بِأُكْشُونِيَّةَ، ثُمَّ مَضَوْا إِلَى بَاجَةَ، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى مَدِينَةِ أَشْبُونَةَ، ثُمَّ سَارُوا، فَانْقَطَعَ خَبَرُهُمْ عَنِ الْبِلَادِ، فَسَكَنَ النَّاسُ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مُؤَرِّخِي الْعَرَبِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ خُرُوجَ الْمَجُوسِ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ أَيْضًا، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِهَذِهِ، ثُمَّ فَلَا أَعْلَمُهُ أَهْيَ هَذِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهَا، أَمْ هِيَ غَيْرُهَا، وَمَا أَقْرَبَ أَنْ تَكُونَ هِيَ إِيَّاهَا، وَقَدْ ذَكَرْتُهَا هُنَاكَ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَيْئًا فِي الْأُخْرَى.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
[الْوَفَيَاتُ]
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَنِيعٍ (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) ، كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ، صَاحِبِ " الطَّبَقَاتِ ".