وَكَانَ لَهُ جُلَسَاءُ مِنْهُمُ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَاسْتَحْضَرَهُمْ يَوْمًا، فَحَضَرُوا، وَتَأَخَّرَ الْفَضْلُ، ثُمَّ حَضَرَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْطَأْتَ عَنِّي، فَقَالَ: كَانَ عِنْدِي أَصْحَابُ حَوَائِجَ، وَأَرَدْتُ دُخُولَ الْحَمَّامِ، (فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِدُخُولِ حَمَّامِهِ) ، وَأَحْضَرَ عَبْدُ اللَّهِ الرِّقَاعَ الَّتِي فِي حَقِّهِ، فَوَقَّعَ فِيهَا كُلِّهَا بِالْإِجَابَةِ، وَأَعَادَهَا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْفَضْلُ.
وَخَرَجَ مِنَ الْحَمَّامِ، وَاشْتَغَلُوا يَوْمَهُمْ، وَبَكَّرَ أَصْحَابُ الرِّقَاعِ إِلَيْهِ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدُ رُقْعَتِي، فَأَخْرَجَهَا وَنَظَرَ فِيهَا، فَرَأَى خَطَّ عَبْدِ اللَّهِ فِيهَا، فَنَظَرَ فِي الْجَمِيعِ، فَرَأَى خَطَّهُ فِيهَا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: خُذُوا رِقَاعَكُمْ، فَقَدْ قُضِيَتْ حَاجَاتُكُمْ، وَاشْكُرُوا الْأَمِيرَ دُونِي، فَمَا كَانَ لِي فِيهَا سَبَبٌ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَدِيبًا شَاعِرًا، فَمِنْ شِعْرِهِ:
اسْمُ مَنْ أَهْوَاهُ اسْمٌ حَسَنٌ ... فَإِذَا صَحَّفْتَهُ فَهُوَ حَسَنْ
فَإِذَا أَسْقَطْتَ مِنْهُ فَاءَهُ
،
كَانَ نَعْتًا لِهَوَاهُ الْمُخْتَزَنْ ... فَإِذَا أَسْقَطْتَ مِنْهُ يَاءَهُ
،
صَارَ فِيهِ بَعْضُ أَسْبَابِ الْفِتَنْ
فَإِذَا أَسْقَطْتَ مِنْهُ رَاءَهُ
،
صَارَ شَيْئًا يَعْتَرِي عِنْدَ الْوَسَنْ ... فَإِذَا أَسْقَطْتَ مِنْهُ طَاءَهُ
،
صَارَ مِنْهُ عَيْشُ سُكَّانِ الْمُدُنْ
فَسِّرُوا هَذَا فَلَنْ يَعْرِفَهُ
،
غَيْرُ مَنْ يَسْبَحُ فِي بَحْرِ الْفِطَنْ ... وَهَذَا الِاسْمُ هُوَ اسْمُ طَرِيفٍ غُلَامِهِ.
وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ بَذْلًا لِلْمَالِ مَعَ عِلْمٍ، وَمَعْرِفَةٍ، وَتَجْرِبَةٍ.
وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي مَرَاثِيهِ، فَمِنْ أَحْسَنْ مَا قِيلَ فِيهِ، وَفِي وِلَايَةِ، أَبِيهِ طَاهِرٍ، قَوْلُ أَبِي الْغَمْرِ الطَّبَرَيِّ: