إِلَيْهِمْ، فَأَخْبَرَ الْمُعْتَصِمَ أَنَّ مَوْضِعًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَعَ سُورُهُ مِنْ سَيْلٍ أَتَاهُ، فَكَتَبَ الْمَلِكُ إِلَى عَامِلِ عَمُّورِيَّةَ لِيُعَمِّرَهُ، فَتَوَانَى، فَلَمَّا خَرَجَ الْمَلِكُ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خَافَ الْعَامِلُ أَنْ يَرَى السُّورَ خَرَابًا، فَبَنَى وَجْهَهُ حَجَرًا حَجَرًا، وَعَمِلَ الشُّرَفَ عَلَى (جِسْرٍ) خَشَبٍ، فَرَأَى الْمُعْتَصِمُ ذَلِكَ الْمَكَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ خَيْمَتِهِ هُنَاكَ، وَنَصْبِ الْمَجَانِيقِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَانْفَرَجَ السُّورُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
فَلَمَّا رَأَى الرُّومُ ذَلِكَ جَعَلُوا عَلَيْهِ خَشَبًا كِبَارًا كُلُّ عُودٍ يَلْزَقُ الْآخَرَ، وَكَانَ الْمَنْجَنِيقُ يَكْسِرُ الْخَشَبَ، فَجَعَلُوا عَلَيْهِ بَرَاذِعَ، فَلَمَّا أَلَحَّتِ الْمَجَانِيقُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ تَصَدَّعَ السُّورُ، وَكَتَبَ الْخَصِيُّ، وَبِطْرِيقُ عَمُّورِيَّةَ - وَاسْمُهُ نَاطِسُ - كِتَابًا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ يُعْلِمُهُ أَمْرَ السُّورِ، وَسَيَّرَهُ مَعَ رَجُلَيْنِ، فَأَخَذَهُمَا الْمُسْلِمُونَ، وَسَأَلَهُمَا الْمُعْتَصِمُ، وَفَتَّشَهُمَا، فَرَأَى الْكِتَابَ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَسْكَرَ قَدْ أَحَاطَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَانَ دُخُولُهُ إِلَيْهَا خَطَأً، وَأَنَّ نَاطِسَ عَازِمٌ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ فِي خَاصَّتِهِ لَيْلًا، وَيَحْمِلَ عَلَى الْعَسْكَرِ كَائِنًا مَا كَانَ، حَتَّى يَخْلُصَ وَيَسِيرَ إِلَى الْمَلِكِ، فَلَمَّا قَرَأَ الْمُعْتَصِمُ الْكِتَابَ أَمَرَ لَهُمَا بِبَدْرَةٍ، وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَخِلَعٍ، فَأَسْلَمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا، فَطَافَا حَوْلَ عَمُّورِيَّةَ، وَأَنْ يَقِفَا مُقَابِلَ الْبُرْجِ الَّذِي فِيهِ نَاطِسُ، (فَوَقَفَا وَعَلَيْهِمَا الْخِلَعُ، وَالْأَمْوَالُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَعَرَفَهُمَا نَاطِسُ) وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرُّومِ، فَشَتَمُوهُمَا.
وَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْحِرَاسَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى انْهَدَمَ السُّورُ مَا بَيْنَ بُرْجَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَانَ الْمُعْتَصِمُ أَمَرَ أَنْ يُطَمَّ خَنْدَقُ عَمُّورِيَّةَ بِجُلُودِ الْغَنَمِ الْمَمْلُوءَةِ تُرَابًا، فَطَمُّوهُ، وَعَمِلَ دَبَّابَاتٍ كِبَارًا تَسَعُ كُلُّ دَبَّابَةٍ عَشَرَةَ رِجَالٍ لِيُدَحْرِجُوهَا عَلَى الْجُلُودِ إِلَى السُّورِ، فَدَحْرَجُوا وَاحِدَةً مِنْهَا، فَلَمَّا صَارَتْ فِي نِصْفِ الْخَنْدَقِ تَعَلَّقَتْ بِتِلْكَ الْجُلُودِ، فَمَا تَخَلَّصَ مَنْ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ شِدَّةٍ وَجَهْدٍ، وَعَمِلَ سَلَالِيمَ وَمَنْجَنِيقَاتٍ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ انْهَدَمَ السُّورُ قَاتَلَهُمْ عَلَى الثُّلْمَةِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْحَرْبِ أَشْنَاسَ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْحَرْبُ فِيهِ، فَأَمَدَّهُمُ الْمُعْتَصِمُ