أَرَانِي أُمَاشِي خَلِيفَةً، وَلَمْ [أَكُنْ] أَرَانِي أُمَاشِي فَيْجًا، وَاللَّهِ لَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا! فَضْحِكَ الْمُعْتَصِمُ وَقَالَ: وَهَلْ بَقِيَ مِنَ الْفَلَاحِ شَيْءٌ لَمْ أُدْرِكْهُ بَعْدَ الْخِلَافَةِ؟ فَقَالَ: أَتَظُنُّ أَنَّكَ أَفْلَحْتَ؟ لَا وَاللَّهِ، مَا لَكَ مِنِ الْخِلَافَةِ إِلَّا اسْمُهَا، مَا يَتَجَاوَزُ أَمْرُكَ أُذُنَيْكَ، إِنَّمَا الْخَلِيفَةُ الْفَضْلُ، فَقَالَ: وَأَيُّ أَمْرٍ لِي لَمْ يُنَفَّذْ؟ فَقَالَ الْهَفْتِيُّ: أَمَرْتَ لِي بِكَذَا وَكَذَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ، فَمَا أُعْطِيتُ حَبَّةً، فَحَقَدَهَا عَلَى الْفَضْلِ.
فَقِيلَ: أَوَّلُ مَا أَحْدَثَهُ فِي أَمْرِهِ جَعَلَ زِمَامًا فِي نَفَقَاتِ الْخَاصَّةِ، وَفِي الْخَرَاجِ، وَجَمِيعِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ نَكَّبَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فِي صَفَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِعَمَلِ حِسَابِهِمْ، وَصَيَّرَ مَكَانَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتَ، فَنَفَى الْفَضْلَ إِلَى قَرْيَةٍ فِي طَرِيقِ الْمَوْصِلِ تُعْرَفُ بِالسِّنِّ، وَصَارَ مُحَمَّدٌ وَزِيرًا كَاتِبًا.
وَكَانَ الْفَضْلُ شَرِسَ الْأَخْلَاقِ، ضَيِّقَ الْعَطَنِ، كَرِيهَ اللِّقَاءِ، بَخِيلًا، مُسْتَطِيلًا، فَلَمَّا نُكِبَ شَمِتَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ:
لِيَبْكِ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ مَرْوَانَ نَفْسُهُ ... فَلَيْسَ لَهُ بَاكٍ مِنَ النَّاسِ يُعْرَفُ
لَقَدْ صَحِبَ الدُّنْيَا مَنُوعًا لِخَيْرِهَا ... وَفَارَقَهَا وَهُوَ الظَّلُومُ الْمُعَنَّفُ
إِلَى النَّارِ فَلْيَذْهَبْ، وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ فَاتَنَا مِنْهُ نَأْسَفُ؟
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
(فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَلِكُ الْأَنْدَلُسِ جَيْشًا إِلَى طُلَيْطِلَةَ، فَقَاتَلُوهَا، فَلَمْ يَظْفَرُوا بِهَا) .
وَحَجَّ بِالنَّاسِ صَالِحُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ.