مَعَ (أُمَيَّةَ بْنِ الْحَكَمِ) إِلَى مَدِينَةِ طُلَيْطِلَةَ فَحَصَرَهَا، وَكَانُوا قَدْ خَالَفُوا الْحُكْمَ، وَخَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَاشْتَدَّ فِي حَصْرِهِمْ، وَقَطَّعَ أَشْجَارَهُمْ، وَأَهْلَكَ زُرُوعَهُمْ، فَلَمْ يُذْعِنُوا إِلَى الطَّاعَةِ، فَرَحَلَ عَنْهُمْ، وَأَنْزَلَ بِقَلْعَةِ رَبَاحٍ جَيْشًا عَلَيْهِمْ مَيْسَرَةُ، الْمَعْرُوفُ بِفَتَى أَبِي أَيُّوبَ، فَلَمَّا أُبْعِدُوا مِنْهُ خَرَجَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ طُلَيْطِلَةَ، لَعَلَّهُمْ يَجِدُونَ فُرْصَةً وَغَفْلَةً مِنْ مَيْسَرَةَ، فَيَنَالُوا مِنْهُ وَمِنْ أَصْحَابِهِ غَرَضًا، وَكَانَ مَيْسَرَةُ قَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَجَعَلَ الْكَمِينَ فِي مَوَاضِعَ، فَلَمَّا وَصَلَ أَهْلُ طُلَيْطِلَةَ إِلَى قَلْعَةِ رَبَاحٍ لِلْغَارَةِ، خَرَجَ الْكَمِينُ عَلَيْهِمْ مِنْ جَوَانِبِهِمْ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ، وَعَادَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ إِلَى طُلَيْطِلَةَ، وَجُمِّعَتْ رُؤُوسُ الْقَتْلَى، وَحُمِلَتْ إِلَى مَيْسَرَةَ، فَلَمَّا رَأَى كَثْرَتَهَا عَظُمَتْ عَلَيْهِ، وَارْتَاعَ لِذَلِكَ، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ غَمًّا شَدِيدًا، فَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ.
وَفِيهَا أَيْضًا كَانَ بِطُلَيْطِلَةَ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ، تُعْرَفُ بِمَلْحَمَةِ الْعَرَاسِ، قُتِلَ مِنْ أَهْلِهَا كَثِيرٌ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
[مِحْنَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ]
وَفِيهَا أَحْضَرَ الْمُعْتَصِمُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَامْتَحَنَهُ بِالْقُرْآنِ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ جَلْدًا عَظِيمًا حَتَّى غَابَ عَقْلُهُ، وَتَقَطَّعَ جِلْدُهُ، وَحُبِسَ مُقَيَّدًا.
وَفِيهَا قَدِمَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى بَغْدَادَ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَمَعَهُ مِنْ أَسْرَى الْخُرَّمِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ إِنَّهُ قَتَلَ مِنْهُمْ نَحْوَ مِائَةِ أَلْفٍ سِوَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
[الْوَفَيَاتُ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْمُلَائِيُّ، مَوْلَى طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ، فِي شَعْبَانَ، وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ شِيعِيًّا، (وَلَهُ طَائِفَةٌ تُنْسَبُ إِلَيْهِ يُقَالُ لَهَا الدُّكَيْنِيَّةُ) .