فَسَادَاتُهَا تَنْتَظِرُ السُّفْيَانِيَّ، حَتَّى تَكُونَ مِنْ أَشْيَاعِهِ، وَأَمَّا رَبِيعَةُ فَسَاخِطَةٌ عَلَى رَبِّهَا مُذْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنْ مُضَرَ، وَلَمْ يَخْرُجِ اثْنَانِ إِلَّا وَخَرَجَ أَحَدُهُمَا شَارِيًا، اعْزُبْ، فَعَلَ اللَّهُ بِكَ.
وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ (أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ بِدِمَشْقَ قَالَ لَهُ: أَرِنِي الْكِتَابَ) الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَأَرَيْتُهُ. قَالَ: فَقَالَ: إِنِّي لَأَشْتَهِي أَنْ أَدْرِيَ إِيشْ هَذَا الْغِشَاءُ عَلَى هَذَا الْخَاتَمِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَصِمُ: حِلَّ الْعَقْدَ حَتَّى تَدْرِي مَا هُوَ! قَالَ: مَا أَشُكُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَدَ هَذَا الْعَقْدَ، وَمَا كُنْتُ لِأَحِلَّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لِلْوَاثِقِ: خُذْهُ وَضَعْهُ عَلَى عَيْنَيْكَ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ! وَجَعَلَ الْمَأْمُونُ يَضَعُهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَيَبْكِي.
وَقَالَ الْعَيْشِيُّ صَاحِبُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: كُنْتُ مَعَ الْمَأْمُونِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ قَدْ قَلَّ الْمَالُ عِنْدَهُ، حَتَّى أَضَاقَ، وَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّكَ بِالْمَالِ وَقَدْ وَافَاكَ بَعْدَ جُمُعَةٍ. وَكَانَ قَدْ حُمِلَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ خَرَاجِ مَا يَتَوَلَّاهُ لَهُ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ الْمَالُ قَالَ الْمَأْمُونُ لِيَحْيَى بْنِ أَكْتَمَ: اخْرُجْ بِنَا نَنْظُرْ هَذَا الْمَالَ، فَخَرَجَا يَنْظُرَانِهِ، وَكَانَ قَدْ هُيِّئَ بِأَحْسَنِ هَيْئَةٍ، وَحُلِّيَتْ أَبَاعِرُهُ، فَنَظَرَ الْمَأْمُونُ إِلَى شَيْءٍ حَسَنٍ، وَاسْتَكْثَرَ ذَلِكَ وَاسْتَبْشَرَ بِهِ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَيَعْجَبُونَ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، نَنْصَرِفُ بِالْمَالِ وَأَصْحَابُنَا يَرْجِعُونَ خَائِبِينَ، إِنَّ هَذَا لَلُؤْمٌ! ثُمَّ دَعَا مُحَمَّدَ بْنَ يَزْدَادَ، فَقَالَ لَهُ: وَقِّعْ لِآلِ فُلَانٍ بِأَلْفِ أَلْفٍ، وَلِآلِ فُلَانٍ بِمِثْلِهَا، وَلِآلِ فُلَانٍ بِمِثْلِهَا، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى فَرَّقَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَرِجْلُهُ فِي الرِّكَابِ، ثُمَّ قَالَ: ادْفَعِ الْبَاقِيَ إِلَى الْمُعَلَّى يُعْطِيهِ جُنْدَنَا.
قَالَ الْعَيْشِيُّ: فَقُمْتُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآنِي كَذَلِكَ قَالَ: وَقِّعْ لِهَذَا بِخَمْسِينَ أَلْفًا. فَقَبَضْتُهَا.
وَذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالْبَصْرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا ظَرِيفًا خَبِيثًا مُنْكَرًا، وَكُنْتُ آنَسُ بِهِ، وَأَسْتَحْلِيهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ شَاعِرٌ وَأَنْتَ ظَرِيفٌ، وَالْمَأْمُونُ أَجْوَدُ مِنَ السَّحَابِ الْحَافِلِ، فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَا