وَمُظْهِرُ نُسْكٍ مَا عَلَيْهِ ضَمِيرُهُ ... يُحِبُّ الْهَدَايَا، بِالرِّجَالِ مَكُورُ
إِخَالُ بِهِ جُبْنًا وَبُخْلًا ... وَشِيمَةً تُخْبِرُ عَنْهُ إِنَّهُ لَوَزِيرُ
ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ:
وَهَذَا نَدِيمٌ لِلْأَمِيرِ وَمُؤْنِسٌ ... يَكُونُ لَهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ سُرُورُ
وَأَحْسَبُهُ لِلشِّعْرِ وَالْعِلْمِ رَاوِيًا ... فَبَعْضُ نَدِيمٍ مَرَّةً وَسَمِيرُ
ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْأَمِيرِ وَقَالَ:
وَهَذَا الْأَمِيرُ الْمُرْتَجَى سَيْبُ كَفِّهِ ... فَمَا إِنْ لَهُ فِي الْعَالَمِينَ نَظِيرُ
عَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ جَمَالٍ وَهَيْبَةٍ ... وَوَجْهٌ بِإِدْرَاكِ النَّجَاحِ بَشِيرُ
لَقَدْ عَظُمَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ بِذِي يَدٍ ... فَقَدْ عَاشَ مَعْرُوفٌ وَمَاتَ نَكِيرُ
أَلَا إِنَّمَا عَبْدُ الْإِلَهِ ابْنُ طَاهِرٍ ... لَنَا وَالِدٌ بَرٌّ بِنَا، وَأَمِيرُ
قَالَ: فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَحْسَنَ مَوْقِعٍ، وَأَعْجَبَهُ، وَأَمَرَ لِلشَّيْخِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصْحَبَهُ.
ذِكْرُ فَتْحِ عَبْدِ اللَّهِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ كَانَ تَغَلَّبَ عَلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ (مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ) بِأَمَانٍ، وَكَانُوا قَدْ أَقْبَلُوا فِي مَرَاكِبَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ فِي جَمْعٍ، وَالنَّاسُ فِي فِتْنَةِ ابْنِ السَّرِيِّ وَغَيْرِهِ، فَرَسَوْا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَرَئِيسُهِمْ يُدْعَى أَبَا حَفْصٍ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهَا حَتَّى قَدِمَ ابْنُ طَاهِرٍ، فَأَرْسَلَ يُؤْذِنُهُمْ بِالْحَرْبِ إِنْ هُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الطَّاعَةِ، فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنْهَا إِلَى بَعْضِ أَطْرَافِ الرُّومِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَأَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ عَلَى ذَلِكَ، فَرَحَلُوا، وَنَزَلُوا بِجَزِيرَةِ إِقْرِيطِشَ، وَاسْتَوْطَنُوهَا، وَأَقَامُوا بِهَا، فَأَعْقَبُوا وَتَنَاسَلُوا.
قَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَتًى حَدَثٌ مِنَ الْمَشْرِقِ - يَعْنِي ابْنَ طَاهِرٍ -