206 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ وِلَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الرَّقَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى الْمَأْمُونُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ مِنَ الرَّقَّةِ إِلَى مِصْرَ، وَأَمَرَهُ بِحَرْبِ نَصْرِ بْنِ شَبَثٍ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الَّذِي كَانَ الْمَأْمُونُ وَلَّاهُ الْجَزِيرَةَ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ أَحْمَدَ، فَاسْتَعْمَلَ الْمَأْمُونُ عَبْدَ اللَّهِ مَكَانَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ تَوْلِيَتَهُ أَحْضَرَهُ وَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَسْتَخِيرُ اللَّهَ - تَعَالَى - مُنْذُ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ خَارَ لِي، وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَصِفُ ابْنَهُ [لِيُطْرِيَهُ] لِرَأْيِهِ فِيهِ، وَرَأَيْتُكَ فَوْقَ مَا قَالَ أَبُوكَ فِيكَ، وَقَدْ مَاتَ يَحْيَى، وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ تَوْلِيَتَكَ مِصْرَ، وَمُحَارَبَةَ نَصْرِ بْنِ شَبَثٍ.
فَقَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَيْرَةَ وَلِلْمُسْلِمِينَ. فَعَقَدَ لَهُ.
وَقِيلَ: كَانَتْ وِلَايَتُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ، (وَقِيلَ: سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ) .
وَلَمَّا سَارَ اسْتَخْلَفَ عَلَى الشُّرْطَةِ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ. وَلَمَّا اسْتَعْمَلَهُ الْمَأْمُونُ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُوهُ طَاهِرٌ كِتَابًا جَمَعَ فِيهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْآدَابِ وَالسِّيَاسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَثْبَتُّ مِنْهُ أَحْسَنَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْآدَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الشِّيَمِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ مَلِكٍ وَسُوقَةٍ، وَهُوَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَمَّا بَعْدُ، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَخَشْيَتِهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -