ثُمَّ نَزَلَ وَسَارَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَسَيَّرَهُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ إِلَى الْمَأْمُونِ بِمَرْوَ، فَلَمَّا سَارَ الْمَأْمُونُ إِلَى الْعِرَاقِ صَحِبَهُ، فَمَاتَ بِجُرْجَانَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَجَّهَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ مِنَ الْيَمَنِ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (فِي جُنْدٍ) لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ، فَسَارَ الْعَقِيلِيُّ حَتَّى أَتَى بُسْتَانَ ابْنِ عَامِرٍ، فَبَلَغَهُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْمُعْتَصِمَ قَدْ حَجَّ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْقُوَّادِ، فِيهِمْ حَمْدَوَيْهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ عَلَى الْيَمَنِ، فَعَلِمَ الْعَقِيلِيُّ أَنَّهُ لَا يَقْوَى بِهِمْ، فَأَقَامَ بِبُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ، فَاجْتَازَ قَافِلَةً مِنَ الْحَاجِّ، وَمَعَهُمْ كُسْوَةُ الْكَعْبَةِ وَطِيبُهَا، فَأَخَذَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ وَكُسْوَةَ الْكَعْبَةِ وَطِيبَهَا، وَقَدِمَ الْحَجَّاجُ مَكَّةَ عُرَاةً مَنْهُوبِينَ.
فَاسْتَشَارَ الْمُعْتَصِمُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ الْجُلُودِيُّ: أَنَا أَكْفِيكَ ذَلِكَ. فَانْتَخَبَ مِائَةَ رَجُلٍ، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْعَقِيلِيِّ، فَصَحِبَهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ فَانْهَزَمُوا، وَأَسَرَ أَكْثَرَهُمْ، وَأَخَذَ كُسْوَةَ الْكَعْبَةِ وَأَمْوَالَ التُّجَّارِ، إِلَّا مَا كَانَ مَعَ مَنْ هَرَبَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَرَدَّهُ وَأَخَذَ الْأَسْرَى، فَضَرَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ وَأَطْلَقَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى الْيَمَنِ يَسْتَطْعِمُونَ النَّاسَ، فَهَلَكَ أَكْثَرُهُمْ فِي الطَّرِيقِ.
ذِكْرُ مَسِيرَةِ هَرْثَمَةَ إِلَى الْمَأْمُونِ وَقَتْلِهِ
لَمَّا فَرَغَ هَرْثَمَةُ مِنْ أَبِي السَّرَايَا رَجَعَ فَلَمْ يَأْتِ الْحَسَنَ بْنَ سَهْلٍ، وَكَانَ بِالْمَدَائِنِ، بَلْ سَارَ عَلَى عَقْرَقُوفَ حَتَّى أَتَى الْبَرَدَانَ، وَالنَّهْرَوَانَ، وَأَتَى خُرَاسَانَ، فَأَتَتْهُ كُتُبُ الْمَأْمُونِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الْشَّامِ وَالْحِجَازِ، فَأَبَى وَقَالَ: لَا أَرْجِعُ حَتَّى أَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. إِدْلَالًا مِنْهُ عَلَيْهِ، وَلِمَا يَعْرِفُ مِنْ نَصِيحَتِهِ لَهُ وَلِآبَائِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ الْمَأْمُونَ مَا يُدَبِّرُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، وَمَا يَكْتُمُ عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَدَعُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى بَغْدَاذَ لِيَتَوَسَّطَ سُلْطَانَهُ.